سميح صعب

لم يتأخر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في التقاط إشارات التغير المحتمل في المشهد السياسي الأميركي مع رجحان كفة احتمال عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض عقب محاولة الاغتيال التي تعرض لها، وما ولدته من موجة تعاطف معه، فضلاً عن تعثر متزايد في حملة الرئيس جو بايدن الذي يواجه تشكيكاً متزايداً في قدراته الجسدية والذهنية، من قبل مسؤولين وممولين للحزب الديموقراطي.

للمرة الأولى منذ توقف المفاوضات التي رعتها بيلاروسيا ومن بعدها تركيا في الأشهر الأولى من الحرب التي اندلعت في 24 شباط (فبراير) 2022، يبدي زيلينسكي انفتاحاً على مشاركة روسيا في ما يسميه "قمة السلام" المقبلة المزمع عقدها في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. القمة الأخيرة عقدت في منتجع بورغنستوك السويسري بحضور ممثلين عن 90 دولة. وفيما لم تُدعَ روسيا إلى القمة رفضت الصين الحضور.

ما تجب الإشارة إليه أن معظم الحاضرين في القمة شددوا على أن متطلبات السلام تقتضي حضور روسيا، الطرف الآخر في الحرب. وسبقت القمة السويسرية اجتماعات عدة للبحث في خطة سلام كان قد اقترحها زيلينسكي منذ أكثر من عام، ورفضتها روسيا رفضاً مطلقاً، لأنها تشبه إلى حد بعيد عملية فرض للسلام على روسيا، ولم تكن خطة قابلة للتفاوض في رأي الكرملين.

عارضت الصين بقوة التوجه الأوكراني، وأكدت أن الحل يقتضي حواراً مباشراً بين موسكو وكييف، وتقدمت بدورها بمبادرة للسلام في شباط من العام. لكن القيادة السياسية الأوكرانية رفضت بتشجيع من واشنطن، الدخول في نقاش حولها، خصوصاً أن زيلينسكي والغرب كانا يراهنان على نجاح الهجوم الأوكراني المعاكس الذي انطلق في حزيران (يونيو) 2023 وانتهى إلى فشل تام.

وتحولت الحرب إلى ما يشبه حرب الخنادق، باستثناء بعض الهجمات الروسية في مناطق خاركيف ودونيتسك وزابوريجيا، من دون إحداث تحول عسكري كبير. ودخلت روسيا وأوكرانيا في حرب تدمير متبادل لموارد الطاقة في البلدين. روسيا دمرت جزءاً كبيراً من شبكة الكهرباء الأوكرانية، بينما المسيّرات الأوكرانية تشعل يومياً الحرائق بمصافي النفط الروسية، حتى تلك البعيدة عن الحدود، فضلاً عن تدمير مطارات عسكرية وبنى تحتية أخرى.

ويعاني الجيش الأوكراني نزيفاً في العديد، ما حمل زيلينسكي على تجنيد السجناء، وهناك عمليات فرار للشبان المطلوبين للخدمة العسكرية إلى دول الجوار. وتحتاج القوات الأوكرانية إلى الذخائر وإلى المزيد من أنظمة الدفاع الجوي، لإحداث توازن مع الهجمات الصاروخية الروسية.

ويعلم زيلينسكي أن المساعدات السخية التي أغدقتها عليه القمة الأطلسية في واشنطن في وقت سابق من الشهر الجاري، قابلة للتغير إذا عاد ترامب إلى الرئاسة. وترامب يؤيد حلاً سياسياً وقد يستخدم المساعدات الأميركية رافعة للضغط على زيلينسكي للقبول بتسوية مع روسيا. وزاد من قلق زيلينسكي أن ترامب اختار السناتور جي. دي. فانس على لائحته لمنصب الرئيس. ويعتبر الأخير من الرافضين بالمطلق لزج واشنطن بالحرب، ويدعو إلى وقف المساعدات الأميركية فوراً. وربما كان من أعضاء الكونغرس القلائل الذين "استغربوا" دعوة زيلينسكي إلى التحدث أمام الكونغرس.

عامل آخر، لا بد من أن زيلينسكي أخذه في الحسبان، وهو أن عزلة روسيا دولياً قد أخفقت، وتالياً لن يكون في إمكان الغرب فرض التسوية عليها، ما دامت الصين والهند ودول الجنوب العالمي ماضية في تعزيز علاقاتها مع موسكو، وتنادي بضرورة سلوك المسار السياسي.

وربما لو كان زيلينسكي واثقاً ببقاء بايدن في البيت الأبيض لولاية ثانية، لما كان قبل بمشاركة موسكو في "قمة السلام".

ولئن كان الوضعان العسكري والسياسي لروسيا باتا أفضل في الأشهر الأخيرة، فإنها بادرت إلى السؤال عما يعنيه زيلينسكي بـ"قمة السلام"، من دون أن تحدد موقفاً حاسماً من المسألة.