خيرالله خيرالله

تكمن خطورة المرحلة التي يمرّ فيها لبنان في غياب التوازنات الداخلية فيه، قبل أي شيء آخر. يعود ذلك إلى الهيمنة الإيرانية الكاملة على البلد عبر الوجود الطاغي لـ«حزب الله».

يأتي ذلك في وقت لم يعد من وجود لثقل سنّي أو مسيحي، فيما يجد الدروز نفسهم، كأقلّية، في وضع الطرف المحاصر. يبدو الطرف الدرزي مضطرّاً إلى القيام بكل التنازلات المطلوبة من أجل تمرير المرحلة التي يمرّ فيها لبنان والمنطقة... بأقلّ مقدار ممكن من الأضرار والخسائر.

لا وجود في البلد سوى لقرار واحد، هو القرار الإيراني الذي لا يهمّه ما يحل بلبنان واللبنانيين. كلّ ما يهم «الجمهوريّة الإسلاميّة» حماية النظام فيها، أكان ذلك عبر ورقة اسمها لبنان أو سورية أو العراق أو اليمن.

لم يتغيّر شيء في إيران منذ اليوم الأوّل لنجاح الثورة على الشاه. استطاع النظام الإيراني حماية نفسه في كلّ وقت عن طريقة ممارسة لعبة تصدير أزماته الداخلية إلى خارج حدوده من جهة، ورفع شعارات طنانة من جهة أخرى.

من بين هذه الشعارات تلك المرتبطة بفلسطين ومدينة القدس تحديداً. ماذا فعلت إيران من أجل القدس التي اعترفت أميركا في عهد دونالد ترامب بأنها عاصمة لإسرائيل؟

لم يتغيّر شيء في إيران يوماً منذ سقوط الشاه ونظامه في فبراير 1979. لم تتوقف «الجمهوريّة الإسلاميّة» عن السعي إلى تصدير الثورة بغية حماية النظام فيها.

لجأت إلى كلّ الوسائل الممكنة من أجل الاستيلاء على العراق من منطلق وجود أكثرية شيعية فيه. فشلت في ذلك طوال حرب استمرت ثماني سنوات مع العراق. كان ذلك بين عامي 1980 و1988.

انتهت الحرب التي استنزفت العراق وإيران ودول المنطقة، التي وجدت نفسها مضطرة إلى الدفاع عن نفسها، بإعلان آية الله الخميني أنّه يعد القبول بقرار وقف الحرب، بمثابة «تجرّع كأس السم».

قبل الخميني القرار الصادر عن مجلس الأمن بوقف الحرب مع العراق بعدما اكتشف أن النظام الذي أقامه بات مهدداً.

لم تنجح إيران في تصدير ثورتها إلى العراق إلّا بفضل عاملين أولهما السياسة الأميركيّة، التي تتمتع بمقدار كبير من قصر النظر، وثانيهما الغباء السياسي لصدّام حسين الذي ارتكب خطيئة احتلال الكويت في الثاني من أغسطس 1990 بعد عامين فقط من تحقيق شبه انتصار على إيران.

فشل صدّام حسين فشلاً ذريعاً في فهم طبيعة ما بعد وقف الحرب العراقيّة - الإيرانيّة ودفع نتيجة ذلك ثمناً غالياً.

في الحقيقة دفع العراق غالياً ثمن الغباء السياسي لرجل لم يعرف شيئاً عن المنطقة وتوازناتها ولا عن كيفية إدارة العلاقات مع القوة الكبرى، بمن في ذلك الولايات المتحدة.

عندما قدمت الولايات المتحدة بلداً، اسمه العراق، على طبق من فضّة إلى إيران في العام 2003، شكل ذلك انطلاقة جديدة لمشروع تصدير الثورة الإيرانيّة.

يدفع لبنان حالياً، بين الذين يدفعون، ثمن هذه الانطلاقة الجديدة للمشروع التوسعي الإيراني الذي توج بفتح جبهة الجنوب اللبناني بحجة «إسناد غزّة».

لم يكن ممكناً تحوّل إيران إلى لاعب أساسي في المنطقة من دون ذلك القرار الأميركي الذي اتخذته إدارة جورج بوش الابن باحتلال العراق من دون وجود مشروع سياسي واضح لمرحلة ما بعد الاحتلال... اللهمّ إلّا إذا كان تسليم بغداد إلى الميليشيات المذهبيّة العراقية التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني والتي قاتلت الجيش العراقي طوال ثماني سنوات هدفاً أميركياً بحدّ ذاته!

في مرحلة ما بعد سقوط بغداد في يد «الحرس الثوري» والميليشيات التابعة له في العراق، والتي باتت تعرف حالياً بـ«الحشد الشعبي»، زاد النفوذ الإيراني في لبنان.

كانت نقطة التحوّل اغتيال رفيق الحريري في 14 فبراير 2005 وما تلاه من انسحاب عسكري وأمني سوري من البلد وسدّ «حزب الله» الفراغ الناجم عن هذا الانسحاب. تمكن من ذلك عبر سلسلة من الاغتيالات الأخرى وعبر افتعال حرب صيف 2006 التي انتهت بانتصار كبير للحزب على لبنان واللبنانيين وليس على إسرائيل بالطبع!

نشهد حالياً في لبنان تتويجاً لسلسلة من الانتصارات التي حققتها إيران على الأرض. بات قرار السلم والحرب في لبنان ملكاً لإيران. لم يكن ذلك ممكنا لولا الفراغ في السلطة الذي يعبّر عنه أفضل تعبير منع «حزب الله» مجلس النواب من انتخاب رئيس للجمهوريّة.

لا رئيس للجمهوريّة من دون موافقة إيرانية، تعني بين ما تعنيه، أن يكون الرئيس موظفاً لدى «حزب الله».

هل يستمرّ الوضع اللبناني على حاله؟ لا شكّ أن الكثير سيكون مرتبطاً بما ستؤول إليه الحرب مع إسرائيل التي بدأها «حزب الله» عندما قرّر في اليوم التالي لـ«طوفان الأقصى» فتح جبهة جنوب لبنان.

المخيف في الأمر أنّ إيران التي كانت وراء قرار الحزب بفتح جبهة الجنوب لن تكون قادرة على فرض قيود تحدّ من الوحشية الإسرائيلية، وهي وحشية أزالت قطاع غزّة من الوجود عملياً.

ما هو مخيف أكثر ذلك الفراغ السياسي اللبناني الذي يملأه «حزب الله» في ظلّ حكومة لا تتجرّأ على قول إن «حزب الله» رفض في كلّ وقت تنفيذ القرار 1701 الذي صدر عن مجلس الأمن في مثل هذه الأيام من العام 2006.

ترفض الحكومة تحديد المسؤول عن تنفيذ القرار الأممي الذي كان ضمانة للمحافظة على البلد بدل أن يكون جسراً يستخدم لتفكيكه... وأخذه إلى المجهول.