رشاد أبو داود
عثر حارس البنك على حقيبة مليئة بالمال. ذهب إلى مدير البنك وسلمه الحقيبة. استهزأ به زملاؤه واعتبروه أحمق. ولأمانته، بعد عام عرض عليه المدير منصب موظف استقبال وبعد ثلاث سنوات أصبح مسؤولاً عن قسم العملاء. بعد عشر سنوات أصبح مديراً لفرع البنك الذي كان فيه حارساً، ومكافأته السنوية تتجاوز أضعاف ما كان في تلك الحقيبة. فهل كان ذلك الحارس أحمق بالفعل؟
يرى بيل غيتس، أحد أغنى أغنياء العالم، العكس ووصفه بأنه كان ثرياً لا يملك المال؛ لأن الثروة حسب غيتس حالة ذهنية، فالثروة لا تعني امتلاك حساب مصرفي كبير، بل القدرة على تكوين الثروة. ويضرب مثلاً على ذلك بقوله شخص يفوز باليانصيب أو اللوتو فهو ليس رجلاً ثرياً، بل هو فقير يمتلك الكثير من المال رغم أنه ربح مائة مليون دولار، ولهذا السبب ترى أغلب الذين يفوزون باليانصيب يعودون فقراء بعد خمس سنوات. وثمة أغنياء لا يملكون المال مثل رواد الأعمال، فهم على طريق الثروة لأنهم يطورون ذكاءهم المالي وهذه هي الثروة. إذا لم يكن امتلاك المال هو المقياس فما الفرق بين الغني والفقير؟
إذا رأيت شاباً قرر التخرج فتعلم أشياء جديدة ويحاول تطوير نفسه باستمرار فاعلم أنه غني. وإذا رأيت شاباً آخر يعتقد أن المشكلة في الدولة، وأن الأغنياء كلهم لصوص وينتقدهم باستمرار فاعلم أنه فقير لأنه فقير التفكير. ويلفت بيل غيتس إلى ظاهرة أن معظم اللصوص وراء القضبان من الفقراء. فعندما يرون كماً كبيراً من المال يفقدون عقولهم ولهذا السبب يسرقون، فبالنسبة لهم هذه نعمة لأنهم لا يعرفون ولا يسعون لكسب المال بأنفسهم. الأغنياء مقتنعون بأنهم يحتاجون فقط إلى المعلومات والتدريب للانطلاق نحو الثروة، بينما يعتقد الفقراء أن على الآخرين منحهم المال للانطلاق. تذكرت كلام بيل غيتس الذي قاله في مؤتمر حول الاستثمار والتمويل في الولايات المتحدة وأنا أشاهد على وسائل التواصل شاباً عربياً من منطقة فقيرة هاجر إلى أمريكا بقليل من المال وما لبث بعد بضع سنوات أن أصبح مليونيراً.
كيف؟
يقول موجهاً النصائح للشباب: لم أضيّع ساعة من الوقت بغير عمل. وبينما كان زملاء لي يمضون معظم الوقت على السوشال ميديا أو في النوادي والحانات كنت أفكر كيف أجمع المال، وفي الصباح أعمل ما خططت له. عملت في مطاعم البيتزا وسائق تاكسي وحارساً حتى جمعت مبلغاً جيداً من المال، ثم عملت في شركة عقارات وتعلمت أسرار المهنة التي من خلالها جمعت مالاً أضفته إلى ما لدي، بعد ذلك أسست شركتي الخاصة وأصبحت أعمل لحسابي الخاص.
كنت أصطاد عقارات قديمة أو أصحابها مضطرون لبيعها بأقل من سعرها فأشتريها ثم أرممها بقليل من المال وأبيعها بضعف سعرها. وهكذا تكونت لدي ثروة وراء ثروة حتى أصبح لدي أسطول من أغلى السيارات وبيت فخم وأعيش حياة مرفهة وأهتم بصحتي وصحة أمي وأبي وإخوتي، لكني لا أنفق دولاراً واحداً إلا وأنا أعرف أين ولماذا أنفقه. فهل هذا الشاب من أولئك الفقراء الأغنياء الذين تحدث عنهم بيل غيتس؟ ربما!
الوقت بما نملأه به. فلا تنتظر أن تشرب كوب قهوة دون أن تعد الماء الساخن والبن، ودون ملعقة تحركه. وكما أن في الحركة بركة، فإن في تحريك العقل تطويراً وتدويراً ونجاحاً. في الحياة ثمة من يمضي حياته دون أن يعيش، وثمة من لا يملك في الحياة إلا المال.
التعليقات