أسعد عبود
الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لأوكرانيا في هذا الأسبوع، تؤكّد أن الزعيم الهندي الذي زار موسكو في تموز (يوليو) الماضي، يعتزم الاضطلاع بدور المسهّل لاحتمال قيام حوار بين موسكو وكييف، بدلاً من المضيّ في حرب تحوّلت استنزافاً بشرياً ومادياً للجانبين.
هل في إمكان مودي أن يفتح ثغرة في جدار الدبلوماسيّة المسدود بين روسيا وأوكرانيا؟ ربما تكون التطورات الميدانية الأخيرة على الجبهات قد شجعت مودي على أن الوقت ربما حان للحديث في السياسة.
إن التوغّل الأوكراني في منطقة كورسك الروسية، والضغط الروسي على مدينة بوكروفسك الاستراتيجية في منطقة دونيتسك بالشرق الأوكراني، قد يغيّران طبيعة المواقف السياسية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
خلق التوغّل الأوكراني مصاعب ميدانية لا يمكن الكرملين تجاهلها، حتى ولو هوّن من شأنها. في المقابل، إذا سقطت بوكروفسك، سيكون خط الجبهة في دونيتسك معرّضاً للاهتزاز بدرجة لا يمكن التقليل من نتائجها على باقي المدن الأوكرانية في المنطقة.
المأزق العسكري لروسيا وأوكرانيا يفترض به أن يخلق ديناميات جديدة أيضاً في السياسة. وكشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية قبل أيام، عن وساطة قطرية كادت تنجح في إقناع موسكو وكييف بوقف الهجمات المتبادلة على البنى التحتية للجانبين. لكن الهجوم الأوكراني على كورسك أجهض هذا المسعى، وجعل الأمور تعود القهقرى.
في هذا الوقت الحساس والدقيق جداً، تأتي زيارة مودي لكييف، لاستعادة التوازن في السياسة الخارجية الهندية من جهة، ولاستكشاف احتمالات الدخول في وساطة من جهة ثانية.
وتجمع موسكو ونيودلهي علاقة وثيقة منذ الحرب الباردة. ولفترة طويلة، كانت روسيا المورّد الرئيسي للأسلحة للهند. لكنّ حصة واردات الأسلحة الروسية انخفضت بشكل حادّ في السنوات الأخيرة. فقد أدّت الحرب في أوكرانيا إلى استنزاف مخزون الأسلحة الروسية، ما دفع بالهند إلى البحث عن مورّدين آخرين وتطوير صناعتها العسكرية الخاصة.
وبعد الهجوم الروسي في شباط (فبراير) 2022، اشترت الهند بسعر منخفض كميات كبيرة من النفط، أعادت روسيا توجيهها إلى السوق الهندية بسبب العقوبات. وعلى هذا النحو، تقتصد نيودلهي في المال، بينما تغذي الاقتصاد وآلة الحرب الروسيين، وهو ما تنتقده الحكومات الغربية.
ولم تنظر الولايات المتحدة بعين الرضا إلى زيارة مودي الأخيرة إلى موسكو، في وقت تنضوي نيودلهي في حلف "كواد" الرباعي مع أميركا وأوستراليا واليابان، في مواجهة الصعود الصيني في المحيطين الهادئ والهندي.
في المقابل، الهند عضو في مجموعة "بريكس" التي تضمّ أيضاً روسيا والصين والبرازيل وجنوب أفريقيا. وهذا ما يُحدث توازناً في السياسة الخارجية لنيودلهي.
ولم تدن الهند الهجوم الروسي على أوكرانيا، كما أنها لم تؤيّده، وهي تفضّل سلوك سياسة محايدة على غرار ما تفعله معظم دول الجنوب العالمي، التي تحبذ رؤية نهاية سياسية لحرب تركت تأثيراتها على مجمل الاقتصاد العالمي، وفاقمت من حدّة الاستقطاب الدولي.
ومودي ينسج على منوال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي كان من أوائل الساعين إلى التوسط بين روسيا وأوكرانيا، وحافظ على اتصالات منتظمة مع بوتين وزيلينسكي، ولا يزال يأمل في أن تستضيف بلاده حواراً روسياً - أوكرانياً، مثلما فعلت في الأشهر الأولى للحرب.
ينبغي متابعة زيارة مودي بانتباه شديد، لا سيما أنها تأتي في الوقت الأميركي الضائع من الآن وحتى الانتخابات الرئاسية في 5 تشرين الثاني (نوفمبر). وعليه، يمكن أن يحمل مودي معه مبادرة للسلام، كونه مطلعاً جيداً على رأي بوتين.
وفي المحصلة، لا يريد مودي أن يحيد عن خط عدم الانحياز في القضايا الدولية، الذي تميّزت به الهند منذ الاستقلال في عام 1947.
التعليقات