علي حمادة

من تابع يوم أمس وقائع المؤتمر الوطني للحزب الديموقراطي في الولايات المتحدة الذي كان مخصصاً لتثبيت ترشيح نائبة الرئيس كامالا هاريس لمنصب الرئاسة الأميركية، لا بد من أن يكون توقف ملياً أمام اطلالة الرئيس جو بايدن الذي ألقى خطاباً نارياً استمر حوالى ساعة كاملة.

فالرئيس الأميركي بدا خلال هذا الخطاب شخصاً مختلفاً تماماً عما كان عليه خلال الإطلالات التي سبقت تنحيه عن خوض السباق الرئاسي، لا سيما قبل مناظرته الكارثية مع المرشح الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب في 27 حزيران (يونيو) الفائت وبعدها، إلى أن أعلن رسمياً انسحابه من السباق الرئاسي في 22 تموز (يوليو) بعد شهر على تعرضه لحملة واسعة من داخل الحزب الديموقراطي.

يوم أمس بدا بايدن أقرب إلى أن يكون نجم المؤتمر، على رغم أن هدف المؤتمر كان ترشيح هاريس رسمياً بدعم عارم من القواعد الحزبية التي تجاوز عددها الخمسين ألف شخص، بينهم قرابة 5 آلاف مندوب تقاطروا الى شيكاغو حيث أقيم المؤتمر لدعم إعلان ترشيحها رسمياً لمنصب الرئيس وتيم والز لمنصب نائب الرئيس.

بدا بايدن كما يقال باللغة الدارجة وكأنه شرب "حليب السباع"، متقد الذهن، حاضراً، سريع البديهة، وحتى عندما ارتكب هفوات تجاوزها بشكل سريع. باختصار بدا الرئيس الذي تمت إزاحته قبل شهر بشكل أقرب ما يكون إلى الانقلاب الداخلي كما يحبّ منافسه ترامب أن يكرر في الإعلام- بدا شخصاً آخر تماماً. فقد تضمن خطابه جزءاً مستفيضاً من الحديث عن نفسه، وعائلته، وإنجازاته، فضلاً عن وعوده للأشهر الخمسة المقبلة قبل أن تنتهي ولايته رسمياً في 20 كانون الثاني (يناير) المقبل. وكان أداؤه اللافت بمثابة انتقامه المعنوي الشخصي من الحملة التي جوبه بها إثر مناظرته السيئة مع ترامب التي حسمت مصير ترشيحه لولاية ثانية. حقيقة كان جو بايدن نجم اليوم الأول من المؤتمر الوطني للحزب الديموقراطي في مركز "يونايتد سنتر" في مدينة إيلينوي، شيكاغو. لكنه كان كمن يلقي خطبة الوداع، ممثلاً الماضي، فيما مثلت كاملا هاريس مستقبل الحزب الديموقراطي الذي سيخوض معركة كبيرة وصعبة ضد الحزب الجمهوري ومرشحه دونالد ترامب.

المؤتمر يستمر لغاية يوم غد الخميس ويتعاقب على المنبر عدد كبير من قادة الحزب وأبرزهم على الاطلاق الثنائي بيل وهيلاري كلينتون، وباراك وميشيل أوباما، ورئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي التي قيل إنها قادت الانقلاب على بايدن مع الرئيس السابق أوباما وأوصلت كامالا هاريس الى حيث هي اليوم. سيتم تثبيت ترشيحها بعدما ضمنت الغالبية الساحقة التي لامست 98 في المئة من المندوبين المؤيدين لترشيحها ليوم الانتخابات في 5 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. والحقيقة ان الانتقال من ترشيح بايدن الى هاريس غير مسار الحملة الانتخابية للحزب الديموقراطي الذي كان يواجه اختباراً شديد الصعوبة، وكانت كل المؤشرات والاستطلاعات تؤكد أن ترامب سيهزم بايدن مع احتمال أن يخسر الحزب مجلس الشيوخ. مع التغيير تحول المسار وانتقل القلق الى حملة ترامب وحزبه. وكأن الحزب الديموقراطي المحبط صار الأكثر حيوية فيما الحزب الجمهوري الذي كان بدأ ترامب وأركان حملته يوزعون المناصب لما بعد الانتخابات باشر في تذوق طعم القلق والإحباط بعض الشيء.

طبعا، قياساً الى المعارك الانتخابية الرئاسية من الصعب جداً التنبؤ بما ستكون عليه الصورة بعد شهرين من الآن، مع اقتراب الموعد الحاسم في 5 تشرين الثاني. فقد تطرأ أحداث كثيرة وتطورات تقلب المشهد مرة ثانية. من هنا فإن تحسن نتائج الاستطلاعات لمصلحة كامالا هاريس على حساب دونالد ترامب موقت حتى الأسبوع الأخير من الحملة. وكما حصل أن انقلب الوضع رأساً على عقب بعد تنحية الرئيس بايدن فقد يطرأ ما يعيد خلط الأوراق لمصلحة دونالد ترامب. لكن في الوقت الحاضر، أي في الأيام القليلة المقبلة، ستستقر النجومية عند الديموقراطيين. فبين خطبة الوداع المميزة للرئيس جو بايدن وتثبيت ترشيح كامالا هاريس، الكرة هي في ملعب الديموقراطيين، أقله حتى نسمع جديداً من دونالد ترامب وحزبه.