محمد سليمان العنقري

التنافس بين الصين واميركا والاتحاد الاوروبي على زعامة العالم اقتصادياً ينتقل لمراحل كسر العظم، فعلى الرغم من ان الاوروبيين مازالوا في صف اميركا لكنها ايضاً حذرة منهم فعلياً بإضعاف نظرتها للصين، لان دول الاتحاد متقدمة وتشترك مع اميركا في كثير من التوجهات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ولها خبرة هائلة في العلاقات الدولية وتملك ارثاً استعمارياً واسعاً في اغلب القارات، لكن انظار واشنطن تنصب نحو الصين حالياً ذات النمو الاقتصادي الجامح منذ عقود مما اوصلها لتكون ثاني اقتصاد عالمي من حيث حجم الناتج الاجمالي، وفي طريقها لتستقل تكنولوجياً وايضا في الصناعات الثقيلة المهمة كالطائرات المدنية.

ولأن الاختلاف الامريكي الاوروبي مع الصين ضخم جداً من كافة النواحي الفكرية والثقافية والتوجهات الاقتصادية والسياسية، فإن بكين هي من تقع في مرمى الغرب بقيادة اميركا التي تطلب علناً من حلفائها الاوروبيين ان يتحدوا معها بسياساتهم ضد الصين؛ لأنها تريد ان تحد من قدراتها وتحجم نموها وتمنعها من التفوق التكنولوجي اولاً، ومن بعد ذلك سيظهر خلافها مع اوروبا الباحثة عن الاستقلالية بقراراتها ونهجها عن اميركا، فأوروبا اليوم بحاجة لأميركا في مواجهة روسيا التي يرى الاوروبيون ان انتصارها على اوكرانيا يعني قدرتها مستقبلاً فرض هيمنتها على اوروبا، وهو الامر الذي يجعلها تطبق بعض سياسات واشنطن ضد بكين وتحديداً بفرض رسوم على منتجات صينية، اضافة الى منع تصدير بعض التقنيات المتقدمة لها وحاولت فرنسا التأسيس للتخلي عن سياسة المواجهة التجارية مع الصين، معتبرةً انه ليس بالضرورة ان يكون لهذا الموقف مع الصين مصلحة لأوروبا، لكن لم تتمكن من تحقيق اي تحرك يبعدهم عن الحرب التجارية الامريكية مع الصين ، ورغم ان صوت هدير هذه الحرب التي بدأها الرئيس الامريكي السابق ترامب قد خفت كثيراً بفترة الرئيس بايدن، لكن الوعود التي قطعها ترامب في حملته الانتخابية الحالية التي حدد فيها وضع رسوم تفوق 60 بالمائة على المنتجات الصينية في حال فوزه بولاية ثانية لها بعد ان خسر السباق مع بايدن قبل اربعة اعوام تعني ان حرباً تجارية اكثر شراسة ستعود للسطح مجدداً، وهدفها تحجيم الصين اقتصادياً وتقليص دورها في التجارة الدولية وادخالها في دوامة التباطؤ الاقتصادي والاثار المترتبة عليه من افلاس شركات وزيادة في نسب البطالة؛ لان حجم صادرات الصين لأميركا يفوق 600 مليار دولار ويفوق هذا الرقم بقليل حجم الصادرات لأوروبا، والاقتصاد الصيني معروف بانه يعتمد بشكل كبير جداً على التصدير، واذا تمكنوا من ادخال الصين في مرحلة الضعف الاقتصادي فإن قدرتها على تماسك تحالفاتها في مشروع الحزام والطريق ستكون ضعيفة، وقد تنجح مبادرة اميركا التي اطلقتها مع دول مجموعة السبعة الكبار فيما سمي اعادة بناء العالم التي تستهدف افريقيا بشكل اساسي للحد من التغلغل الاقتصادي الصيني فيها بحسب وجهة نظرهم.

اعلان حرب تجارية من نوع اكثر شراسة ضد الصين يعني ان الطلب العالمي على السلع سيتراجع، وهو ما سيؤثر على نمو الاقتصاد العالمي وسيلحق الضرر اغلب دول العالم، لكنهم في سبيل منع الصين من التقدم اقتصادياً قد لا يمانعون بقيام هذه الحرب مهما كان الثمن؛ لانهم يرون ان المصلحة البعيدة المدى اكثر فائدة مما سيدفع حالياً.

الحرب التجارية بين اميركا واوروبا على الصين اياً كان حجمها ستلحق ضررا كبيرا جداً بالاقتصاد العالمي، وعلى الرغم من ان اوروبا مرغمة على هذه الحرب حتى لوا علنت ان المنتجات الصينية تضر بصناعاتها نظراً لرخصها، لكن في الحقيقة تطورات حرب موسكو وكييف تكبل الاوروبيين وتبقيهم في جانب اميركا ضد الصين، ويعلمون انه بنهاية المطاف سيبقون على علاقة تميل فيها الكفة لصالح واشنطن وسيمكنها من ابقاء اوروبا خلفها اقتصادياً بينما يتحقق هدفهم ضد الصين بإضعافها، وبالمقابل ستضطر الكثير من الشركات الصينية ان تنقل صناعاتها لأميركا حتى تضمن لنفسها مكاناً بهذا السوق الاضخم بالعالم، ويكون ترامب حقق هدفين الاول ابقاء الصين خلف اميركا بالترتيب الاقتصادي وزيادة الانتاج المحلي؛ مما يعني زيادة بالعرض وخفض فاتورة الاستهلاك على المواطنين الامريكيين على المدى المتوسط والبعيد، وجذب استثمارات تعزز قوة ومكانة الدولار وبقائه عملة الاحتياط الاولى بالعالم، ومن بعد ذلك سيتفرغون لأوروبا والحد من طموحاتها في التفوق على اميركا.

فهل تنجح مساعي واشنطن اذا وصل ترامب للبيت الابيض مجدداً بوقف قطار الصين الفائق السرعة، ام ان لبكين راياً آخر وقدرة على مواجهة هذه الحرب، وانها تجاوزت مرحلة هذه التهديدات ليكون الخاسر الاكبر هي اميركا واوروبا بزيادة الفاتورة على المستهلك والذي بدوره سيتسبب بتقليص الانفاق الاستهلاكي الذي يمثل ما يفوق بتأثيره 60 بالمائة من ناتجهم المحلي، ويكونون بذلك وضعوا ضرائب اضافية على مواطنيهم المعتادين على المنتج الصيني.