لم تكن منظمة «اليونيسكو» تبالغ عندما نبهتنا إلى خطورة وسائل «التواصل الاجتماعي» على الوظيفة الإخبارية، عبر التحذير من أنها تشكل «تهديداً وجودياً» لوسائل الإعلام المهنية التي تُعد تلك الوظيفة سبباً جوهرياً في وجودها واستدامتها.

لقد حدث ذلك قبل عامين. ومنذ إطلاق هذا التحذير، صدرت نتائج دراسات واستطلاعات رأي كثيرة تثبت دقته وأهميته، وتشير بوضوح إلى تصاعد درجة اعتماد الأفراد في المجتمعات المختلفة، وخصوصاً الأصغر سناً، على تلك الوسائل في استقاء الأخبار، وما يترتب على ذلك من تشكيل المفاهيم والصور الذهنية واتخاذ القرارات.

وفي الأسبوع الماضي، كنا على موعد مع نتائج استطلاع جديد، أجراه مركز «بيو» للأبحاث، وهو الاستطلاع الذي وجد أن السبب الرئيس لاستخدام 48 في المائة من الشباب الأميركي لتطبيق «تيك توك» يكمن في الرغبة في متابعة القضايا السياسية. ولا تتعلق مشكلة الوظيفة الإخبارية لمواقع «التواصل الاجتماعي» بتطبيق «تيك توك» المثير للجدل فقط؛ لكنها تتسع لتشمل غيره من التطبيقات التي باتت تكسب أرضاً جديدة في الساحة الإخبارية يوماً بعد يوم.

في المملكة المتحدة، على سبيل المثال، ظهرت المؤشرات التي تفيد باتساع هيمنة تلك الوسائط خلال العقد الحالي على نطاق التعرض للأخبار؛ خصوصاً في أوساط اليافعين «الذين يشكلون نصف الحاضر وكل المستقبل»، حين أعلنت الهيئة المسؤولة عن تنظيم الاتصالات «أوفكوم» نتائج تقرير أنماط استهلاك الأخبار بالبلاد في مطلع العقد، ليظهر لنا أن «إنستغرام» و«تيك توك» و«يوتيوب» شكلت أهم ثلاثة مصادر للأخبار على التوالي للمراهقين في بريطانيا، بينما تراجعت «بي بي سي» التي احتلت هذه المكانة لعقود، إلى المركز الخامس.

يشكل اليافعون الأقل من عشرين سنة نحو ثلث سكان العالم، ونصفهم تقريباً يتصلون بـ«الإنترنت»؛ حيث يمضون نحو 7 ساعات يومياً في تصفح المواقع عليها، ليتزوّدوا من خلالها بالأخبار والمعلومات والتحليلات، ويتأثروا بالمنظور الذي تستخدمه في تقديمها، ثم يشكلوا رؤيتهم للعالم، ويتصرفوا على هذا الأساس.

وتشير الدراسات التي أجريت على الوظيفة الإخبارية لتلك الوسائط الجديدة إلى مخاطر كبيرة؛ إذ تؤكد أن معظمها أخفق إخفاقاً شديداً في مواجهة نشر الأخبار المُضللة، وعجز عن «تدقيق المحتوى» وفق معايير مهنية، في الوقت الذي تكفلت فيه «الخوارزميات» التي تعتمد عليها بترويج المحتوى الضار وغير الخاضع لأي تقييم.

تنضم دراسة «أوفكوم» الأخيرة إلى سيل آخر من الدراسات والبحوث التي أفادت –بوضوح- بأن أنماط عرض الأخبار عبر «السوشيال ميديا» تحفل بالاختلاق والتشويه وتغييب السياق، وتتفادى السؤال عن المصدر، كما لا تهتم باسم الناشر الأصلي للمعلومة، بموازاة ميلها إلى تعزيز وجود المعلومات المُضللة عبر تبادلها والترويج لها.

وفي العالم العربي، صدرت دراسات كثيرة اتفق معظمها على أن أكثر من 70 في المائة من اليافعين والشباب يتزودون بالأخبار من مواقع «التواصل الاجتماعي»، ورغم أن بعض هذه الدراسات أشار إلى تراجع معدلات الثقة بين هؤلاء الشباب في أخبار تلك الوسائط، فإن هذا التراجع لم يُحد من نسب التعرّض المرتفعة باطراد.

ووفق استطلاع أجرته مؤسسة «أصداء بي سي دبليو»، فإن «مواقع التواصل الاجتماعي غدت المصدر الرئيس للأخبار بالنسبة إلى الشباب العربي» في مطلع العقد الحالي؛ إذ ظهر أن 79 في المائة منهم يتلقون معلوماتهم من تلك المواقع، بموازاة تراجع الاعتماد على المؤسسات الإعلامية المهنية، وهو أمر عدَّته المؤسسة «مثيراً»، قبل أن تحذر من كونه «مخيفاً» أيضاً، بسبب شيوع الأخبار المُضللة على تلك الوسائط.

يزيد الإقبال بحدة على الوظيفة الإخبارية لمواقع «التواصل الاجتماعي» في أوقات الحروب والأزمات، وعند الغموض والارتباك وتفاقم المخاطر؛ خصوصاً عندما تضعف تلك الوظيفة في وسائل الإعلام «التقليدية»، بسبب إجراءات التعتيم والتقييد، أو لا تلبي نهم المستخدمين المتصاعد للمتابعة السريعة والجذابة، والتفاعل والمشاركة في الأحداث الخطيرة.

لكن في مقابل الميزات الكبيرة التي تتيحها تلك المواقع لمستخدميها، ثمة كثير من السلبيات والمخاطر؛ فتلك الوسائط لا تُخضع المحتوى الذي تبثه لأي شكل من أشكال التقييم أو المراجعة، ولا تُلزم من يبث هذا المحتوى بأي قدر من الالتزام، سوى ما يقرره طوعاً لذاته.

وعندما ستستمر معدلات تعرض الشباب واليافعين للأخبار، عبر تلك الوسائط الجديدة، في الارتفاع، ستتحول بالضرورة إلى مركز صناعة الأخبار الرئيس في العالم، من دون أن تخبرنا بالطريقة التي تستخدمها لضمان دقة تلك الأخبار أو جودتها؛ وفي ذلك يكمن خطر كبير.