ضياء رشوان

بعيداً عن كل التفاصيل التي تحيط بالحرب الإسرائيلية الدموية على قطاع غزة، وقد دخلت شهرها الحادي عشر، سواء تعلقت بطبيعتها التي وصلت لحد الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، أو بالتعنت ووضع العراقيل أمام كل جولات التفاوض من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي، فإن النظرة العامة لكل هذا معاً توصل إلى نتيجة شديدة الأهمية والخطورة.

فتحليل الأفعال وردود الأفعال الإسرائيلية، طوال مدة هذه الحرب حتى اللحظة، يشير بوضوح إلى أن الاتجاه العام، سواء في المجتمع الإسرائيلي أو نخبته الاستراتيجية، يتجه بسرعة وإصرار نحو العودة إلى نظرية إسرائيل «المتفردة» في منطقتي العالم العربي والشرق الأوسط، و«القادرة» بقوة السلاح على فرض استمرار وجودها في المنطقتين، و«المنعزلة» وحدها دون أي حاجة للاندماج في المنطقتين، أو إقامة علاقات طبيعية مع أي من دولهما.

فمن ناحية، تشير التوجهات العامة للمجتمع الإسرائيلي ونخبته إلى الرفض الكاسح لحل الدولتين ووجود أي كيان فلسطيني يحمل اسم «الدولة» بجوار إسرائيل، وهو ما عبرت عنه الأغلبية الساحقة من أعضاء الكنيست لدى التصويت على هذا قبل أيام من زيارة بنيامين نتانياهو للولايات المتحدة.

ويأتي هذا التوجه الواضح في نفس وقت تزايد تأييد الأغلبية الكبيرة من دول العالم لهذا الحل، ومنها الولايات المتحدة نفسها، وكل الدول العربية بلا استثناء واحد.

ويعني هذا بوضوح أن إسرائيل حسمت قرارها بعدم الحاجة للاندماج في المنطقتين المشار إليهما، لأن كل دولهما تؤيد حل الدولتين وتدعو لإعطاء الشعب الفلسطيني حقه في إقامة دولته المستقل على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ويصعب على أي منها ـ كما تعلن جميعها بوضوح ـ الترحيب بإقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل بدون تحقق هذا الحل القائم على مقررات الشرعية الدولية.

ومن ناحية ثانية، فإن إسرائيل تمعن في العدوان على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، والتوسع السرطاني للاستيطان في الأخيرة، بدون الأخذ في الاعتبار لا الحقوق الفلسطينية المشروعة للشعب الفلسطيني، ولا قرارات الشرعية الدولية، ولا توجهات وسياسات غالبية دول العالم الرافضة لهذا، وقبل كل ذلك الغضب الشعبي والنخبوي الواسع والمتزايد في كل دول العالم العربي والشرق الأوسط.

ويبدو واضحاً بذلك أن إسرائيل قد قررت أن تعيش «وحيدة» في المنطقتين، ساعية إلى حماية نفسها فقط بقوة السلاح وبالدعم الكامل والوفير من الولايات المتحدة، وبدون أي حاجة للاندماج فيهما، بل على العكس فهي توسع من دائرة مواجهاتها العسكرية المباشرة لكي تمتد إلى دول جديدة، وتزداد حدة وخطورة مع دول سبق لها الدخول في حروب معها.

ويؤدي تأمل المسار العام للمفاوضات الدائرة منذ يناير الماضي دون الوصول لأي نتيجة تذكر حتى كتابة هذه السطور، إلى نفس النتيجة.

فكل ما يطرحه رئيس الوزراء الإسرائيلي يؤكد التوجه العام نحو اعتماد الحلول العسكرية دون غيرها، والعودة من جديد للاحتلال الصريح للأراضي الفلسطينية وخصوصاً قطاع غزة، وهو ما يفضي بالضرورة إلى إسرائيل الدولة «المنعزلة والعدوانية»، والتي يتأكد انفصالها التام عن العالم العربي والشرق الأوسط، وكذلك غربتها عن مختلف دول العالم ومؤسساته الأممية التي تدافعت خلال الشهور الأخيرة لدعوتها لوقف العدوان على غزة والإقرار بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة.

هذه هي الأرجح ملامح إسرائيل التي تبلورت بجلاء منذ بدئها العدوان على غزة، والتي على الأرجح سترافقها خلال المدى القصير وربما المتوسط، وهو ما سيضع الأمن والاستقرار في منطقتي العالم العربي والشرق الأوسط وربما العالم كله، في محل تهديد جدي، بل وخطير يمكن أن يصل إلى آماد يصعب تصورها.