خالد بن حمد المالك

لبنان دولة بلا رئيس لها، تقودها حكومة لتصريف الأعمال بعد أن رفض ميشيل عون في نهاية فترته الرئاسية المصادقة على تشكيل الحكومة، لدوافع سياسية وحزبية، وحتى الحكومة الحالية وهي لتصريف الأعمال فقط تعاني من انقسامات حادة، ومن مقاطعة بعض الوزراء لجلساتها، ومجلس النواب عجز أعضاؤه عن تمرير مرشح للرئاسة، بسبب تدخل تقوده إيران باستخدام نفوذها على حزب الله وأمينه العام حسن نصر الله.

* *

وكل اللبنانيين وغير اللبنانيين يعرفون أن لبنان في قبضة حزب الله، ولولا هذا الحزب لتم انتخاب رئيس للبلاد، وتشكيل حكومة يمثّل أعضاؤها كل شرائح وأطياف وانتماءات اللبنانيين، وما هو أسوأ أن أحداً لا يجرؤ أن ينتقد حزب الله، أو أن يتهمه صراحة بما هو فيه، لأن مصيره وحاله عندئذ لن يكون أقل سوءاً مما حدث لرئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري.

* *

لهذا فإن من يقرِّر الحرب والسلم ضد إسرائيل ليست حكومة تصريف الأعمال، ولا رئيس البلاد لو كان للبنان رئيساً وحكومة منتخبة، وإنما هو حزب الله، وعلى الرئيس والحكومة الإذعان والتسليم بما يصدر عن الحزب، طالما أنه يملك ميليشيا وأسلحة أكثر مما هو عليه جيش لبنان من حيث العدد والعدة، فضلاً عن أنه يجد من بعض الأحزاب لمصالح ضيقة من يتعاون معه.

* *

والمناوشات بين إسرائيل وحزب الله منذ السابع من أكتوبر، وتطورت بعد قيام إسرائيل بقتل الرجل القوي في الحزب فؤاد شكر، ثم إطلاق قواتها لتدمير الكثير من قوات حزب الله يوم الأحد الماضي باستخدام أكثر من 100 طائرة حربية في ضربة استباقية موجعة للحزب، ورداً متواضعاً اعتبره حسن نصر الله انتقاماً لمقتل شكر، في مسرحية انتهت بالتوافق مع إسرائيل على الاكتفاء بما حدث، وعدم اللجوء إلى التصعيد.

* *

وخسائر حزب الله منذ السابع من أكتوبر الماضي وإلى اليوم في قياداته وعناصره لا يحتاج إلى مثل هذه المناوشات للتضحية بهم، فضلاً عن الخسائر في العتاد، والخسائر النفسية والمعنوية، ولكن هذا قدر لبنان، عندما يرتمي أحد أحزابه في حضن إيران، ويصبح أداتها في توجيه مستقبل البلاد إلى المجهول.

* *

يقول حسن نصر الله إنه راضٍ عن مواجهة الضربات الإسرائيلية، ونتائجها، وكأنه يتحدث عن إسقاط بعض الطائرات الإسرائيلية المائة المغيرة على مواقع الحزب، أو أن صواريخه الثلاثمائة التي وجهها إلى إسرائيل قد دكت أهدافها، لا أن كل ما فعلته قتيل واحد ربما كان بالصدفة حدث ما حدث له، ولكن هكذا يُباع الكلام حين لا يكون المرء أميناً وصادقاً مع حزبه، ومع الآخرين.

* *

نتائج أحداث الأحد الماضي أغلقت الباب أمام أي تصعيد لحرب قد يكون حزب الله مصدرها، وهذه من إيجابيات هذه المسرحية، لأنه لا مصلحة لأحد بأن تمتد الأضرار إلى دول ليست طرفاً في مغامرات عسكرية غير محسوبة نتائجها، يقودها حزب يأتمر في مغامراته بتوجيه خارجي، دون أن يحسب حساباً لما ستؤول إليه الحرب من خسائر بشرية، واقتصادية، وتعريض المباني والمنشآت في لبنان للدمار الهائل.

* *

نحن ضد إسرائيل، ومع قيام الدولة الفلسطينية، ومع تحرير الأراضي السورية واللبنانية المحتلة من إسرائيل، وإذا كان الحوار والتفاهم، والاحتكام إلى القرارات الدولية تحل المشكلة فهذا هو المطلوب، وهذا ما نتمناه، وإن كان لا بد من الحرب فالعرب لها، ولكن يجب أن يسبقها الاستعداد، والاتفاق على كلمة واحدة، وسياسة واحدة، بين كل العرب، لا أن يورِّط حزب الجميع بمغامرات لا تستعيد الحقوق، وإنما تضع كل دول المنطقة على فوهة بركان من الحرائق التي لن ينجو منها أي دولة في منطقتنا، وهو ما لا يقبله العقلاء والحكماء، وذوو النظرة البعيدة في التخطيط للمستقبل المنشود.