في منزله في بيدمينستر، بولاية نيوجيرسي، قال المرشح الرئاسي دونالد ترمب إن «مساحة إسرائيل تبدو صغيرة على الخريطة، ولطالما فكرت كيف يمكن توسيعها».

رسالة ترمب خطيرة، كونه قد يصبح رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، بعد انتخابات الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، ثمة أسئلة دارت في رأسي حول هذا التصريح: هل هو وعد جديد يذكرنا بوعد وزير الخارجية البريطاني الأسبق آرثر بلفور عام 1917؟ ولماذا الآن؟ وماذا ستكون الأوضاع إذا ما أصبح ترمب رئيساً واعتمد هذه السياسة؟ أم أنها مجرد مناكفة ومزايدة لمنافسيه الديمقراطيين الذين يعتمدون سياسة «الخطوة خطوة» في الأراضي الفلسطينية المحتلة؟ وهل هذا التصريح لجذب أصوات اللوبي اليهودي المتردد في التصويت الذي يميل غالباً إلى الحزب الديمقراطي؟

الشاهد أن تصريح ترمب يقف في دائرة الخطر، ويجب ألا نستهين به، فقبل مائة وسبعة أعوام، أعطى بلفور الإنجليزي في سياق معين الجماعة اليهودية وعداً بإقامة وطن يهودي على أرض فلسطين، وما أشبه الليلة بالبارحة، فقد كانت الحرب العالمية الأولى في ذروتها، والعالم أجمع يتخبط في مصير مُظلم، واليوم يتعايش العالم مع المشاهد ذاتها، حرب على أراضي القارة الأوروبية بين روسيا وأوكرانيا، وأخرى في الشرق الأوسط بين إسرائيل وقطاع غزة، وتشمل مساحة واسعة من المعارك لأطراف كثيرة، تصل ربما إلى سبع دول، ومرشحة للتوسع الإقليمي، بل هناك مخاوف من طبعة جديدة للحرب العالمية، وهذا ليس في اعتقادي وحدي، إنما قال به دونالد ترمب نفسه، صاحب الوعد الجديد، عندما هاجم كامالا هاريس المرشحة الديمقراطية للرئاسة، بأنه في حالة فوزها سوف تندلع حرب عالمية ثالثة.

لا شك أن سياسة ترمب تجنح نحو عقد الصفقات السياسية، وليست الحروب، وقد كانت لديه تصريحات واضحة حول ضرورة إيقاف الحرب في غزة، مع العلم أنه يدعم إسرائيل بكل ما يملك، وبعض التحليلات تؤكد أن بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، لا يريد إيقاف الحرب الآن، انتظاراً لفوز ترمب، وفي الوقت ذاته نجد ترمب يداعب خيال اللوبي اليهودي، لجذب أصواتهم التي يراها مرجحة أمام صناديق الاقتراع في مواجهة كامالا هاريس، وقد أظهر هذه الرغبة حين قال: «أنا من أعطى إسرائيل كل شيء، لكن أصوات اللوبي اليهودي تذهب إلى المنافسين»، مهاجماً هاريس، التي اختارت تيم والز نائباً لها، ولم تختر شابيرو اليهودي الديانة، وكان ترمب يُدلل على وفائه للصوت اليهودي ولإسرائيل، لكن هذا الوفاء وصل إلى نقطة حرجة، عندما قطع على نفسه وعداً بأنه سيعمل على توسيع مساحة إسرائيل.

إذن الحسابات تزداد تعقيداً، طبعة ترمب هذه المرة ليست مثل طبعته الأولى في البيت الأبيض، ففي المرة الأولى قدّم ما يسمى «صفقة القرن»، والسلام الاقتصادي، والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وضم إليها الجولان، في سياسة لم تعلنها الولايات المتحدة الأميركية من قبلُ، صحيح أن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لا يوافقان على هذا الطرح، ولم يعترف به أحد، لكن الخطر في سياسة الأمر الواقع، التي اتخذها ترمب، وكان يرى هو وجاريد كوشنر، أن الاقتصاد هو محور الحل، وقد فشل هذا المخطط بعد أن غادر البيت الأبيض عام 2021.

أما ترمب في طبعته الجديدة، فهو يستدعي ويتبنى المخطط الإسرائيلي القديم، الذي يقوم على تصفية القضية الفلسطينية بالتهجير القسري، وإفراغ الأراضي الفلسطينية من أكثرية الفلسطينيين، وتحويل ما تبقى منهم إلى الرعاية الإسرائيلية، وبالتالي ينسف كل قرارات المجتمع الدولي، والقوانين الدولية، واعتراف دول العالم بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وكل ما نتج عن الأمم المتحدة، والولايات المتحدة نفسها، والاتحاد الأوروبي من مواقف تجاه القضية الفلسطينية حول ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية، وحل الدولتين.

ما بين الطبعتين - الأولى والثانية - من ترمب، أقول إن الخطر على القضية الفلسطينية، واستقرار الشرق الأوسط، يظل قائماً، فلا يهم إذا كان الرئيس الأميركي الجديد جمهورياً، أم ديمقراطياً، فربما أعلن ترمب عن نياته، بينما تحتفظ هاريس بالتصريح ذاته والمعنى ذاته، لكنها تفضل أن يظل كامناً لحين الوقت المناسب.

ثمة سؤال جديد: إلى متى يظل الشرق الأوسط مختبراً للسياسات الدولية؟ وإلى متى تظل القضية الفلسطينية ساحة لتصفية الحسابات وتوسيع النفوذ في الإقليم؟

علينا أن نقرأ الوعد الجديد لترمب بعناية فائقة، فقد أهملنا سابقاً القراءة الصحيحة لوعد بلفور، وبعد أكثر من 31 عاماً من تاريخ هذا الوعد، أي في عام 1948 اكتشفنا أن هذا التصريح الذي كان يتضمن بضع كلمات تحوّل إلى واقع، ونحن الآن يجب ألا نهمل القراءة الصحيحة لوعد ترمب حتى لا نفاجأ بواقع جديد.