د. محمد النغيمش

حينما سُئل مؤسس موقع "أمازون" جيف بيزوس عن كيفية "موازنته" بين أنشطة حياته وعمله، داهمني فضول كبير لمعرفة وجهة نظره لأسباب عدة، منها أنه كابد عناء البدايات عندما بدأ تجارته "الأضحوكة" حينها لأنها انطلقت من مرأب سيارته، حيث رسم شعاره amazon على الجدار بقنينة "صبغ الرش" (الدهان)! ولأنني كنت من أوائل عملائه حينما قرر أن يكون متجراً لبيع الكتب في حقبة التسعينات ثم صار يبيع كل شيء تقريباً، حتى السيارات!

كانت إجابة هذا العصامي، بأنه لا يحب كلمة "توازن" التي لا يبدو أنها موجودة في قاموسه لأنه يميل نحو كلمة "التناغم بين العمل والحياة" بحيث يستفيد من طاقته الإيجابية في العمل لتصبح دافعاً للعطاء في أدواره الحياتية الأخرى والعكس صحيح.

فبيزوس يعتقد أن التوازن يعني التنازلات، بينما التناغم يعزز النمو، بل ينقل التناغم والروح الإيجابية إلى آخرين. باختصار يخلق ذلك "علاقة تآزرية" بين العمل والحياة المنزلية كما قال، ما يعزز الرفاهية العامة. هذا المفهوم يحول تركيزنا من إدارة الساعات إلى تغذية الطاقة. فما أكثر من يفرغون طاقتهم في التوافه في ذروة أوقات إنتاجيتهم.

وهو يرى أنه يجب أن يمنحك العمل وكذلك العائلة الطاقة اللازمة لتحقيق الرضا. هي معادلة مهمة لأن تلك المشاعر الإيجابية أو السلبية قد تنتقل إلى آخرين.

ومن آليات التناغم بين العمل والحياة تحديد الأولويات عبر التركيز على الأكثر أهمية وعدم إهدار الوقت في أهداف فرعية أو أقل أهمية. كثير منا يقع في فخ الشغف فينكبّ على عمل لأنه "يحبه" فيضيع وقته على حساب الأهداف ذات المردود الأكبر.

ويصعب ضبط إيقاع التناغم من دون تخطيط مسبق لليوم التالي والأسبوع ككل. كما يتردد البعض في طلب المساعدة عند الحاجة لموانع اجتماعية، لكن ذلك يفاقم الضغوط الشخصية حينما يدور بعضهم في حلقة مفرغة لا فكاك منها سوى بمعلومة أو مساندة من آخرين.

ويقول الحكيم جيم رون، حينما تكون في العمل ركز على عملك، وعندما تكون على الشاطئ مع أسرتك استمتع بكل لحظة ولا تفكر بأي شيء آخر، وذلك حتى لا يقع بعضهم في تداخل الأدوار وتعكر صفو المزاج. حتى لحظات الهدوء وعدم فعل أي شيء هي وسيلة لاستعادة القوة والحماسة للعودة من جديد بأداء أفضل.

وأرى أننا بحاجة إلى إعادة النظر في أهمية العمل الجزئي part-time المنتشر بكثرة في أوروبا وبريطانيا وأميركا لمنح المرأة والرجل مزيداً من الوقت لعبور تحديات عارضة في حياتهم مثل الحمل والولادة والأزمات النفسية والعائلية وغيرها.

"التناغم" ينم عن أوركسترا موسيقية تخدم كل الآلات بعضها بعضاً للخروج بمعزوفة آسرة. وهي أكثر دقة وإنتاجية من مبدأ "التوازن".