بيّنت في أكثر من مناسبة، أنني لست بالكاتب المحترف، ولا حتى قريباً منه، فأنا أساساً مصرفي النشأة، تجاري الهوى، ولم أصبح كاتباً يومياً، منذ ثلاثة عقود، إلا بمحض الصدفة، وبسبب ما كان يدور، أو بالأحرى ما كان يغلي برأسي من أفكار، اعتقدت أنها صالحة للكتابة عنها ونشرها، ولا يعني ذلك أنها كانت يوماً أفكاراً غير مسبوقة أو أفضل من غيرها.

ولكوني كاتباً غير «محترف»، فإن الكتابة اليومية، أو وضع أفكاري على الورق، عملية ليست سهلة، فعادة ما يصاحبها تعب واستنزاف عقلي وتوتر وقلق ينتج عن التساؤل عما إذا كان المقال جديراً أصلاً بالنشر؟ يحدث كل ذلك، والنتيجة تكون أحياناً مخيبة، عندما لا يجد المقال ما كنت أتوقعه، أو أتمناه من صدى، أو حتى ما يكفي من قرّاء، لسبب أو لآخر، ولكن يبقى خيار النشر أفضل بكثير، لأن الأفكار في الرأس لا تبقي صاحبها حرّاً طليقاً، بل تضغط عليه، أو تتوسل له، لكي تخرج للعلن وتنشر، ليعرفها الآخرون. وبالتالي، فإن ضغوط النشر، مع عدم وجود ما يكفي من قرّاء، أقل وطأة وضغطاً من إبقاء المقال في الذاكرة، ومن دون سكبه على الورق، بانتظار أن يرى النور يوماً!

الكاتب، كغيره من أصحاب المهن، يبحث عمّن يشتري بضاعته أو إنتاجه، أو يطلب خدماته، وفي الغالب لا يكترث من يشتري الخدمة أو السلعة، أو من يقرأ المقال، بما مر به كاتبه من معاناة ومخاطرة وجهد، سواء كان ذهنياً أو عضلياً، أو مالياً، لتوصيل بضاعته أو إنتاجه الفكري للراغب فيه، فهذا آخر همومه.

ويحدث الأمر حتى مع الكاتب، عندما يقرأ ما كتبه الآخرون، ويصبح مثل غيره، لا يتساءل غالباً عن المعاناة، التي مر بها من كتب النص، الذي قام بقراءته، هكذا البشر، بشكل عام.

الكتابة، مثل الكثير من المهن، هي وظيفة، وفي حالتي هي هواية متعبة ومكلفة جداً، وطبعاً تتطلّب جهداً ذهنياً مرهقاً، يتمثّل في ضرورة كتابة النص، وقراءته، ومراجعته، وإرساله للصحيفة. بعد كل هذه المعاناة، يأتي من كنت أعتقد برجاحة عقله، وجميل صداقته، ورائع زمالته، ليتهمني، بسبب خلاف على قضايا سياسية عامة، بالاستعانة بمن يكتب لي، لتبلغ مأساة الكاتب الجاد، كحالي، والذي لا يتلقى مقابلاً مادياً لقاء ما يكتب، قمة الأسى، متهماً بأمانته وشرفه، وأنه لا يكتفي باستئجار من يكتب له، بل هو فوق ذلك فاسد في تجارته، ومستفيد من سرقاته من المال العام!

لا حاجة للاسترسال أكثر، فحجم المعاناة، فوق ما تتطلب الكتابة اليومية من جهد، تغني عن ذلك. ومعذرة لإقحام القارئ، أحياناً، في أمور محض شخصية.


أحمد الصراف