علي حمادة

ليس من باب التهويل، لكن يبدو أن "حزب الله" أدرك أن إسرائيل جادة في ما يتعلق بمسألة حدودها الشمالية. فالحديث عن حرب إسرائيلية واسعة على الحزب المذكور ليس تهويلاً كما تزعم بروباغاندا الحزب، بل يستند إلى معطيات ذات صدقية عالية. لم يعد بالإمكان القبول بالواقع على الحدود الشمالية بعد مرور عام على شن "حزب الله" حرب "الإسناد" دعماً لحركة "حماس" في غزة، وتطور الوضع العسكري من قواعد اشتباك منضبطة ومحدودة إلى مواجهة متعددة المستويات، وكل يوم تزداد عنفاً وعمقاً.

كل المعطيات الدولية التي في حوزتنا تؤكد أن انتقام "حزب الله" المحدود جداً في 25 آب (أغسطس) الماضي على اغتيال قائده العسكري فؤاد شكر لم يؤد كما كان يتوقع إلى تغيير في الحسابات الإسرائيلية الأساسية، فالمشكلة لم تعد تتعلق بموافقة ضمنية من "حزب الله" على وقف متدرج لإطلاق النار، نظراً إلى خطورة الموقف بعدما أصبحت التحذيرات من قرب نشوب حرب إسرائيلية واسعة أكثر صدقية من أي وقت مضى. المشكلة هي أن إسرائيل ما عادت تستعجل وقفاً لإطلاق النار مع "حزب الله" يبقي الوضع على ما هو عليه في الجنوب اللبناني. بمعنى آخر أن تنفيذ القرار 1701، لا سيما لجهة منع أي سلاح غير شرعي في منطقة عمليات القوات الدولية "اليونيفيل"، سيكون الشرط الوحيد لتجنب انفجار الوضع.

بالنسبة إلى "حزب الله"، يبدو أن المطلوب هو خفض مستوى المواجهة وانتظار انتهاء حرب غزة. لكن حرب غزة مستمرة وستستمر لوقت طويل، ورفض "حزب الله" العودة إلى حرفية القرار 1701 يقوض سلطة الحكومة اللبنانية إلى حد بعيد، ويعرض الجنوب لحرب تبين أنها غير متكافئة مع إسرائيل. وخسائر الحزب واضحة، فهي كبيرة قياساً إلى حجمه العسكري. والانقسام السياسي والطائفي بين اللبنانيين كبير جداً في ما يتعلق بحرب "حزب الله". المشكلة أيضاً أن معظم اللبنانيين يعتبرون أن هذه الحرب هي حرب خاصة بـ"حزب الله" دون سواه. ولا يتعاطفون معه إطلاقاً. ومن هنا صعوبة مواصلة الضرب عرض الحائط بمؤسسات البلد الدستورية، وبالرأي العام اللبناني الآخر الرافض لما يعتبره هيمنة على الدولة والمكونات الأخرى، واجتياحاً لهما. ولذلك يخوض "حزب الله" حرباً غير شعبية كونها حرباً بقرار خارجي لا علاقة للبنان به لا من قريب ولا من بعيد.

لكن الحسابات تغيرت. فبعد صيحات النصر يعود هذا الحزب ليفكر بهدوء في الأخطار الكبيرة التي تحيط به. فالحرب باتت على الأبواب. وقد يدفع بسببها أثماناً باهظة ما كان يحسب لها حساباً في الثامن من تشرين الأول (أكتوبر) عندما تورط وورط البلاد فيها. معظم المسؤولين اللبنانيين الذين ساهموا في تغطية قرار الحزب بالتورط في حرب "إسناد" يقولون إن حساباتها كانت محدودة ومنضبطة. فقد كان في حساباتهم أنها لن تطول. وحدث العكس وانزلق الطرفان إلى مواجهة باتت خطرة جداً، لا سيما أن إسرائيل لم تعد معنية بوقف لإطلاق النار، بل بترتيبات أمنية وسياسية طويلة الأمد. من هنا، وبعد غياب فاضح واستسلام معيب تأتي تصريحات وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب يوم الاثنين الماضي عندما أعلن أن الحكومة مستعدة لمفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل لوقف إطلاق النار، وأن من الأفضل الذهاب نحو قرار أممي جديد يحل مكان القرار 1701. فمن أجاز للوزير الإدلاء بتصريحات كهذه؟ وهل سمح "حزب الله" للحكومة اللبنانية المتماهية معه بفتح باب التفاوض تداركاً لما هو آت؟ يقيننا أن بو حبيب ما كان ليقول ما قاله من تلقاء نفسه. فهل صار "حزب الله" يبحث عن النزول عن الشجرة؟

ذكّرتنا تصريحات وزير الخارجية اللبناني بمرحلة التفاوض على القرار 1701 خلال حرب 2006. يومها كان "حزب الله" يبحث عن وقف لإطلاق النار أياً كان الثمن. لكنه عاد وتنصل من القرار وخرقه بالتوازي مع الإسرائيليين، فبنى قلعة عسكرية في الجنوب الذي يتعرض جزء كبير منه لتدمير منهجي بعد أقل من عقدين على إعادة بنائه! لكن من المهم أن نفهم أن استمرار الحرب بهذه الوتيرة سيؤدي حتماً إلى حرب واسعة... وقريباً!