سميح صعب

بعد يومين من توصّل بغداد وواشنطن إلى تفاهم حول خطة لانسحاب قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة على مراحل تنتهي في عام 2026، أعلنت طهران أن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان سيزور بغداد اليوم الأربعاء، في أول رحلة خارجية له منذ تولّيه منصبه في تموز (يوليو) الماضي، خلفاً للرئيس ابراهيم رئيسي الذي توفي في تحطّم مروحية في أيار (مايو) الماضي.

بين مصالح إيران والولايات المتحدة، يقود رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني سياسة متوازنة لا تثير حفيظة طهران ولا واشنطن، ويطمح إلى الاضطلاع بدور القناة الخلفية لخفض التصعيد بين الجانبين، بما يؤدي إلى ترسيخ الاستقرار الداخلي في العراق.

لا ريب في أن التوصّل إلى تفاهم على انسحاب قوات التحالف الدولي خطوة تُريح إيران، وتخفّض التوتر بين الحكومة العراقية، وفصائل الحشد الشعبي الحليفة لطهران التي تشن بين الفينة والأخرى هجمات بالصواريخ أو المسيّرات على قواعد عراقية ينتشر فيها جنود أميركيون يعملون في إطار التحالف الدولي، الذي يقاتل تنظيم "داعش" المتطرف منذ عام 2014.

وإذا كان "داعش" هو السبب المباشر لانتشار القوات الأميركية في العراق، فإن أميركا أوكلت مهمّة أخرى لقواتها المنتشرة هناك، وهي التصدّي للصواريخ والمسيّرات الإيرانية التي أطلقتها طهران على إسرائيل ليلة 13-14 نيسان (أبريل) الماضي، رداً على غارة إسرائيلية دمّرت القنصلية الإيرانية في دمشق، وأسفرت عن مقتل المسؤول البارز في "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الجنرال محمد رضا زاهدي، وعدد من مساعديه في الأول من نيسان نفسه. ولا تزال القوات الأميركية المحتشدة في الشرق الأوسط تتحسّب لردّ إيراني على قتل إسرائيل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في طهران في تموز الماضي، بعد ساعات فقط من مشاركته في مراسم تنصيب بزشكيان.

للحكومة العراقية مصلحة رئيسية في خفض منسوب التوتر الإقليمي، وفي قيام علاقات طبيعية بين إيران ودول الخليج العربية. وكلما توطدت المناخات الإيجابية، أعطى ذلك دفعة للعراق كي يستعيد عافيته السياسية والاقتصادية، وينأى بنفسه عن أن يكون ساحة لخلافات الآخرين ونزاعاتهم.

لعب السوداني دور واسطة العقد بين طهران والجوار، وسعى أيضاً إلى دور يُعيد سوريا إلى خريطة المنطقة، سواء مع الدول العربية أو مع تركيا. وهو دور تضطلع به بغداد إلى جانب موسكو على أمل أن تصل هذه المساعي إلى خواتيم سعيدة، تنتهي بترميم العلاقات السورية - التركية، بما يرتد إيجاباً على العراق أيضاً.

وتعلّق إيران أهمية كبيرة على العلاقات المميزة مع بغداد. ومجرد أن يختار بزشكيان الإصلاحي الذهاب إلى العراق في أول زيارة خارجية له منذ توليه منصبه، فهذا يدلّ على الموقع المتقدم الذي تحتلّه بغداد في الخريطة الدبلوماسية الإيرانية.

ومهمّ أن تستفيد إيران من العراق معبراً إلى توطيد علاقاتها مع الدول العربية الأخرى، وإيلاء المسائل الاقتصادية أولوية في سياساتها. وهذا فعلاً ما تعهّد به بزشكيان منذ وصوله إلى الرئاسة، لأنه يدرك كم أن الاقتصاد الإيراني في حاجة إلى مزيد من الشراكات التي لا تتحقق إلّا بالانفتاح على دول الجوار.

وتبقى العلاقات الأميركية - الإيرانية المتوترة على خلفية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وبسبب العقوبات الأميركية على طهران بسبب برنامجها النووي، فضلاً عن تزويدها روسيا بالمسيّرات، المصدر الحقيقي للقلق العراقي.

بعد التفاهم العراقي - الأميركي على انسحاب قوات التحالف، ستكون ثمة أرضية لقيام بغداد بدور المسهّل في نقل الرسائل بين طهران وواشنطن. وهذا دور مرشّح للاتّساع بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في 5 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.

وانسحاب قوات التحالف من بغداد قد يكون مقدمة لانسحاب القوات الأميركية من سوريا، بما يعيد خلط الأوراق في هذا البلد أيضاً.