راغب جابر
كلما اقترب الحديث عن انفراجة في الحرب القائمة في فلسطين بين إسرائيل و"حماس" وعلى الحدود اللبنانية مع "حزب الله"، بامتداداتهما الإقليمية، وقرب التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار أو هدنة ما، تحت مسمى الاتفاق على صفقة لتبادل الأسرى بين إسرائيل و"حماس" تعود الأمور إلى نقطة الصفر، وتعود الاتهامات المتبادلة بالتعطيل في انتظار مساع ومبادرات ومقترحات جديدة تأتي من الولايات المتحدة باعتبارها الفاعل الوحيد القادر (إذا شاءت) على الضغط على إسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو وزمرته من اليمينيين المتطرفين.
لا يريد نتنياهو إنهاء الحرب الآن، لذلك يرفض كل المقترحات الأميركية التي يطرحها الرئيس الخارج من السلطة قريباً جو بايدن، هو ليس مستعجلاً على إنهاء صفقة الأسرى الذين يموتون الواحد تلو الآخر، لا يهتم كثيراً لأمر عودتهم أحياء ولا لتظاهرات أهاليهم المتكررة المطالبة بإبرام صفقة التبادل. تفكير نتنياهو لا يقف عند عداد الأرواح المزهقة، سواء أكانت فلسطينية أم لبنانية أم إسرائيلية، لقد وضع أهدافاً أخرى للحرب تتجاوز إعادة الأسرى. العقل الصهيوني الذي أشاع عبر تاريخ الحركة أنه يتمسك حتى بأجساد الأموات اليهود، هو عقل يستطيع التضحية بالأرواح اليهودية وغير اليهودية من أجل الأهداف البعيدة والاستراتيجية.
من يتابع مجريات الحرب والمفاوضات لا بد من أن يكتشف بسهولة أن نتنياهو ومعه غالبية الطبقة السياسية والجيش يتفقون على المبدأ وإن اختلفوا على بعض التفاصيل، لا أحد في الطبقة السياسية في إسرائيل يرفض ذبح "حماس" ومعها كل أهل غزة والضفة الغربية أيضاً، الإسرائيليون لا يتظاهرون ضد الحرب على الفلسطينيين وتضامناً مع أهل غزة بل لإنهاء الحرب بسرعة وإطلاق أقاربهم الأسرى وبعده لتفعل الحكومة ما تفعله وسيكونون في مقدمة صفوف المقاتلين.
تريد إسرائيل ممثلة بنتنياهو تغيير الواقع على الأرض، لن ترضى الدولة العميقة في إسرائيل بعد كل هذا الدمار بأن يعود قطاع غزة كما كان بعدما حولته إلى مكان تصعب الحياة فيه. يخطط نتنياهو لطرد الغزاويين من الشمال والبقاء في محور فيلادلفيا لفرض سيطرته على الحدود مع مصر وفي نتساريم لقطع أوصال القطاع، كما لإدارة شؤون القطاع المائية والغذائية والمالية عبر طرد "الأونروا" وإقامة حكم شبه تابع له، لكن ذلك يتطلب القضاء على "حماس" بالكامل وهو ما لم ينجزه رغم كل الدمار والقتل والحصار، ولذلك يصر على إكمال حربه على القطاع حتى لو استمرت بدل الشهور سنوات، فذلك لا يضيره ما دام الدعم يأتي يومياً من مخازن السلاح الأميركي.
ليس دقيقاً القول إن نتنياهو يريد استمرار الحرب هرباً من محاكمته بتهم الفساد في إسرائيل، فهو لو أراد صفقة تجنبه المحاكمة لحصل عليها. إنه من جيل التوراتيين الذين يرفضون أي تسويات ويتفوق في تطرفه على معلمه الراحل أرييل شارون الذي قبل التخلي عن قطاع غزة وتفكيك المستوطنات فيه للتخلص من عبئه.
نتنياهو مهجوس بفكرة تسجيل اسمه في سجل "أعظم" رؤساء الحكومة في إسرائيل. يريد استعادة أراض تخلى عنها شارون في غزة في مرحلة أولى ليسجل له التاريخ أنه أول زعيم استعاد أرضاً بعد التخلي عنها، وليكون ذلك خطوة أولى ينتقل بعدها في مرحلة لاحقة إلى الضفة الغربية (يهودا والسامرة في السيرة التوراتية). هذا ما كتبه محلل "هآرتس" آلوف بن ودعا إليه الجنرال في جيش الاحتياط غيورا أيلاند. على الغزيين بحسب مخطط نتنياهو مواجهة المزيد من القتل والمجاعة حتى القضاء على "حماس"، تحرير الأسرى يصبح مطلباً ثانياً فقط.
نتنياهو والطبقة الحاكمة في إسرائيل يعتقدان أن عملية 7 تشرين الأول (أكتوبر) هي فرصة تاريخية يجب أن تستغلها إسرائيل لتحقيق أهداف أبعد من تحقيق انتصار عسكري. هما يتحدثان الآن عن تحقيق هذا الانتصار الذي سيتوجانه، بحسب تصريحاتهما، قريباً بالقبض على قادة "حماس" ومنهم يحيى السنوار أو قتلهم قريباً. وعندها لن يمنعهما أحد من إعادة الاستيطان في غزة وضمها، أو جزء منها، مجدداً إلى إسرائيل. أما أهل غزة فستتحول حياتهم إلى جحبم دائم تصعب الحياة فيه فيضطرون إلى الهجرة أو الخضوع أو إلى حرب جديدة.
التعليقات