حمد الحمد

إذا سافرت للمغرب لا تقل لموظف الجوازات «الله يعطيك العافية» لأن العافية كلمة غير طيبة لدى المغاربة، وتعني «النار الموقدة»، بينما عندنا في الخليج وبقية الدول العربية تعني الصحة والنشاط.

هذه الأيام أُصيب نظام «عافية» بالسكتة القلبية ومن دون مُقدمات تم الإيقاف، ولم يعلم الناس بالأمر إلا بخبر عبر وسائل التواصل، بينما كان يفترض أن يُعقد مؤتمر حكومي من قبل وزير الصحة، ويبلغ القوم بإلغاء النظام ولماذا وإيجاد البديل، لأن توقفه فجأة به ضرر كبير على المواطنين المتقاعدين، وعددهم 170 ألف مُتقاعد وفق مصادر صحافية، والعدد في ازدياد يوماً بعد يوم.

والمُتقاعدون فئات، الفئة الأولى واعتقد الأغلبية هو المُتقاعد الذي على الراتب وليس له دخل غير راتبه، وكانت «عافية» كـ«هبة الهية» أنقذته من زحمة خدمات المستشفيات الحكومية والمواعيد الطويلة.

الفئة الثانية هو المُتقاعد المُقتدر، هذا له دخل أو دخول أخرى، لكن تلك الدخول لا تواجه تكاليف الخدمات العلاجية المُكلفة، وهذا يمكن أن يتدبر أمره، ولكن ليس بسهولة.

الفئة الثالثة هو المُتقاعد المُقتدر الثري، هو له دخول كثيرة وقدرة مالية عالية جداً ولا يهمه إذا توقفت عافية أم لا، حيث لن يتأثر البتة.

لهذا إيقاف «عافية» كان طامة كبرى بكل معنى الكلمة على الفئة الأولى الذين هم بالأساس كبار بالسن ولديهم مُراجعات كثيرة وتحاصرهم تكاليف الحياة والديون، والآن هم في ورطة لا تستطيع المستشفيات الحكومة أن تلبيها، خصوصاً إذا كان في برنامج علاج للأسنان، وهو على مراحل وتوقف علاجه في نصف الطريق، وهنا لا يعرف ما يعمل ويذكرنا بمقولة الشيخ اليمني الشهيرة وكأنه يُخاطب وزير الصحة قائلاً: «يا وزير علمني الحين لأني مُقيد ولا مفكوك»؟.

في عام 1987 كنت في سياحة في الأردن وارتفعت درجة حرارة ابني وكان عمره 9 سنوات، وأخذته إلى أقرب مستشفى حكومي أردني، وعندما واجهت موظفة الاستقبال وطلبت مراجعة طبيب، اعتذرت بأدب عندما عرفت أنني كويتي وقالت هذا المستشفى مخصص للأردنيين ومن لديهم تأمين فقط، خرجت بخيبة وذهبت إلى أقرب عيادة خاصة.

وقبل أشهر، زميلة تحكي لي، تقول تم تحويلها من مستوصف إلى مستشفى حكومي كبير، واكتشفت أنها تقف مع طوابير طويلة من الجنسيات كافة وأن أقرب موعد بعيد جداً، فما كان منها إلا أن اتصلت بدكتور عربي خارج الكويت وطلبت أن يتوسط لها!، وفعلاً قام بالواجب وحصلت على موعد قريب جداً!

وقبل سنة نصحني صديق بأن أراجع بمستشفى حكومي كبير وفعلت، لكن تأكد لي قبل أن أحصل على العلاج أحتاج أسبوعاً أو أكثر فقط فحوصات، لهذا تركت المستشفى وتوجهت لأقرب عيادة خاصة وخلال ساعة حصلت على العلاج اللازم والبركة في عافية.

نعم، تأمين عافية تم استغلاله، وكثير من المراكز الصحية الخاصة رفعت الرسوم أو طلبت فحوصات وصرف أدوية لا لزوم لها، وهي كما يقول المثل «مال عمك لا يهمك»، حدث هذا من دون أن توقفها وزارة الصحة، التي كانت في موقف المُتفرج.

كنت أعمل في القطاع الخاص وكان عندنا ميزة نطلق عليها «الميزة الأفضل» وهذه تمنح المواطن ميزة تميزه عن غيره، وكان لها أثر طيب. الحكومة طوال سنين طويلة تصم أذنيها عن تقديم ميزة أفضل بعد أن أصبح المواطن أقلية، حيث يفترض أن تكون هناك مستشفيات خاصة للمواطنين وهذا حق لهم ـ أو يكون هناك مستشفى خاص للمتقاعدين... كل هذا لم يحدث.

مؤكد لا أدعو لعدم تقديم الخدمات الصحية لإخواننا المقيمين لأن هذا واجب، لكن يفترض تقديم ميزة أفضل للمواطن كما تعمل كل الدول، وسمعت في دول خليجية في المستشفيات الحكومية هناك مسارات أخضر وأصفر، والأخضر للمواطن حيث له أولية. نحن بعد أن «طاحت الفأس بالرأس» سمعنا من وزارة الصحة كلمة جديدة للمتقاعد وهي «أولية»، لكن هل هي الحل ؟ أعتقد لا وألف لا...