منذ أكتوبر الماضي وحتى اليوم لم تتوقف آلة القتل الإسرائيلية عن حصد أرواح الفلسطينيين حتى زادت الأرواح البريئة، التي ذهبت ضحية العجرفة وسياسة الإبادة عن الأربعين ألفاً من النساء والأطفال والشباب وكبار السن! بأي ذنب قتل هؤلاء؟

بأي حجة أبيد كل هؤلاء وكأنهم لا يساوون شيئاً في عالم البشر، أو حتى لا يستحقون الالتفات؟ فماذا فعلت إذن الدول الحامية للديمقراطية وحقوق الإنسان؟ ماذا فعلت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية؟ صرخ الناس في كل الشوارع، وتظاهروا في كل العواصم ضد الحرب والقتل والإبادة.. لكن شيئاً لم يتغير، سوى المزيد من تجاهل الضحايا، والمزيد من نصرة القاتل! فيا لعار البشرية مما يجري!

لسنا معنيين بطروحات قادة الجيش الإسرائيليين، الذين يدّعون أن كل هذا القتل كان دفاعاً عن ضحايا حادث السابع من أكتوبر، الذي نفذته حماس، ففي نهاية الأمر وحسب موازين الردع والرد لا يستحق الأمر كل هذه العربدة والولوغ في الدم لعام كامل، أبيدت فيها غزة، ومن وما عليها.

يبقى الجنرالات جنرالات في النهاية، ويبقى الجيش جيشاً محتلاً، تقوم عقيدته على نزعة إبادة الآخر، وتطهير الأرض من أهلها الفلسطينيين، نعم الفلسطينيون هم أهل الأرض شاء من شاء، وأبى من أبى، تلك حقيقة تاريخية وجيوسياسية وأنثروبولوجية، ولن يغيرها كل ما أحدثه الاحتلال من تغيير لموازين القوة أو طبوغرافية الأرض أو التخطيط العمراني والحضري.

مهما تعاقبت الأجيال فالذاكرة الفلسطينية حاضرة، مهما صودرت الدور فإن رمزية المفاتيح الفلسطينية تلوح أمام أعين المحتل، فتخيفه أكثر مما تخيفه الدبابة والكاتيوشا، ومهما تغيرت أسماء المدن، سيبقى اسمها فلسطين.

وستظل سيدة المدن، وستبقى فلسطين، وسيتغنى بها الشعراء في كل الوطن العربي كما يتغزلون ويغنون لبيروت ودمشق والقاهرة، فنحن نحب أوطاننا ونعشقها، ونتغزل بها، وتظل في ذاكرتنا بأسمائها مهما طال احتلالها، فالقدس بقيت في يد الصليبيين 200 عام، لكنها عادت، ورحل المحتلون.وعوداً على بدء، لم يبق احتلال إلى الأبد طيلة التاريخ البشري، وهذا ما يفسر همجية القتل التي نراها.