ناهد الأغا

يطلق عادة مصطلح «الموسيقى غذاء الروح» ولعل تلك العبارة استنبط افلاطون منها قوله: «الموسيقى هي قانون أخلاقي يمنح الروح للكون؛ ويمنح أجنحة للعقل؛ تساعد على الهروب إلى الخيال؛ وتمنح السحر والبهجة للحياة».

وبالتحليل العلمي لما سبق جاءت الأبحاث المعاصرة لتؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن الموسيقى التي يكون عنوانها الفرح والبهجة والسعادة والتفاؤل تحرض على إنتاج الدوبامين والسيرتونين اللذين بمصطلحهما العلمي هما «هرمونات السعادة».

وبالتالي يدعو هذا النوع من الموسيقى لإثارة مشاعر الفرح ونخلص إلى أن الحالة المزاجية للأشخاص تتأثر بالموسيقى التي يستمعون إليها بكل تأكيد.

أما بشأن قيمة الموسيقى في سجل الشعوب فتعد قطعاً تاريخهم الملحن الذي يدل بتفاصيل ألحانه وترنيماته عن هوية أمة ما.. حيث تتناغم في ثناياها أحوال عيشها وتجارب شعوبها وتتجلى بتقاسيم ألحانها حالة الحزن والفرح والفقد والوجد.. فهي أي الموسيقى تكاد تكون الفن الأول الذي يرافق الناس في كل زمان ومكان سواء عبر آلاتها المتعددة والتي لا حصر لتعدادها؛ أو ربما يقتصر على الشدو بأغنية من حناجرهم دون دعم من أي آلة موسيقية.. وليس ثمة فن من الفنون يضاهي ما لأثر الموسيقى على النفس فهي تعكس مشاعر الأشخاص ومعاناتهم ومن خلالها يمكن معرفة تفاصيل أحوالهم.. وتجسد بكل دقة الهموم التي تعتريهم وماهية الأفكار التي تدور في خواطرهم.. وبهذا التوصيف ندرك بأن الموسيقى ليس لها حدود بتفاصيلها النغمية وتراكيبها اللحنية ولا حصر لعذوبة مفاتيحها التي تتغلغل في المشاعر وتعمل عملها الاستثنائي في ردهاتها وسبر أغوارها.. ولما كان التراث الموسيقي والغنائي نعبر من خلالهما إلى معرفة هويات الأمم وذوق شعوبها؛ وسكان البسيطة عامة نتعرف عليهم من خلال طقوسهم وجغرافية أرضهم؛ كذلك نألفهم من خلال نظم أشعارهم وأنغام ألحانهم الموسيقية.. لذا جاء اهتمام المملكة العربية السعودية بهذا الفن فعالاً ونوعياً؛ حيث أطلقت وزارة الثقافة مشروع هيئة الموسيقى.. وهي واحدة من الهيئات الثقافية الـ 11 التي أسستها الوزارة للنهوض بتطوير القطاعات ودعم كل ما من شأنه تعزيز دور المملكة لتكون السباقة في كافة المجالات الحضارية في زمن التقنية والتطور المتسارعين؛ وتحت عباءة الرؤية الطموحة 2030 وما ستحققه في جعل المملكة على أعتاب مصاف الدول المتقدمة..

تأسست هيئة الموسيقى في شهر شباط عام 2020 م وهدفها الأساس السعي بكل جهد والعمل بمنتهى الاهتمام لتطوير قطاع الموسيقى وبكافة فروعه وتخصصاته؛ وذلك لدمج وإدراج فن الموسيقى ضمن برامج التعليم؛ ثم تأتي الخطوة الأكثر تطوراً وهي إنشاء الأكاديميات الموسيقية في كافة مدن المملكة؛ وتعزيز إقامة الشراكات مع الجامعات السعودية..

واستراتيجية هيئة الموسيقى اعتماد برامج تدريبية؛ تقديم منح دراسية للموهوبين مع التأكيد على منح الشهادات المختصة بالتدريب من الجهات المانحة؛ وإطلاق منصة إلكترونية موحدة للابتعاث الثقافي الخارجي بدعم من وزارة الثقافة..

وللهيئة مهام أهمها:

تمكين المواهب وتحفيز الإنتاج المحلي الموسيقي؛ إدخال أفضل الوسائل التي تؤدي إلى تطوير قطاع الموسيقى وتحديثه؛ وإنشاء قاعدة بيانات موحدة هدفها الترخيص للأنشطة الموسيقية وتنظيم المسابقات والفعاليات والمعارض وإقامة المؤتمرات على المستوى المحلي والدولي..

ولعل إنشاء المركز السعودي للموسيقى الذي أدرج تحقيقه على أرض الواقع ضمن مبادرة «إنشاء أكاديميات الموسيقى الرئيسة».. والذي يعد الأول من نوعه في المملكة إنما يعد خطوة ذات شمولية ومنهجية نوعية.. ويتكون من فروع عدة تتوزع في مساحات عديدة من المملكة حيث تنطلق من فرعيها الرئيسين الرياض وجدة.. وأهم الأعمال الملقاة على عاتقه أنه يعمل على توفير الدروس الاحترافية للموسيقى على الآلات العربية والغربية؛ تقنية موسيقى الكمبيوتر وإنتاجها؛ إضافة إلى تنسيق الغناء بمختلف ألوانه والأغاني وألحانها وغيرها من التخصصات الموسيقية.. ويستقبل المركز طلبات الراغبين من مدربين موسيقيين عبر موقعه الإلكتروني.. كما نظمت الهيئة مؤخرا برنامج «طروق - السعودية» وهدفه توثيق الفنون في المملكة.. وعلى سبيل المثال لا الحصر تم توثيق الفنون في عسير والباحة ودونت خلال تلك الرحلة ما يزيد عن 300 لحن عسيري مثل فن «الروحة والقيلة» وفن «البحري»..

وتظل هيئة الموسيقى الجهة التي أقامت جسور التواصل مع ثقافات العالم الموسيقية لتطوير قطاع الموسيقى ووضع المملكة في مقدمة الدول الحضارية التي تعكس سحر هذا الفن الراقي.