انتفض العديد من السياسيين المقربين من "حزب الله" فضلاً عن الإعلاميين الذين يدورون في فلكه ضد عودة الحديث عن القرار الرقم 1559 الصادر عن مجلس الأمن بتاريخ أيلول 2004. والموقف الذي أدلى به رئيس مجلس النواب نبيه بري عن القرار، واصفاً إياه بأنه صار من الماضي، يفسر هذا الموقف العنيف من القرار وممن يدعون إلى تطبيقه على قاعدة أنه مرجعية قانونية من أرفع محفل دولي في العالم. وفي هذه المرحلة كان التركيز الدائم على القرار 1701 الذي صدر عن مجلس الأمن يوم 12 آب 2006 بهدف إنهاء الحرب التي افتعلها آنذاك "حزب الله" في 12 تموز 2006، تماماً مثلما بادر إلى شن الحرب في 8 تشرين الأول أكتوبر 2023. في العام الذي مر كانت الدعوة إلى تطبيق القرار 1701 تواجه بالتخوين وبهدر الدم وبنعت المطالبين به بصهاينة الداخل. لكن بقدرة قادر وبعدما نزلت بـ"حزب الله" ضربات مهولة من الإسرائيليين، واغتيل الأمين العام السيد حسن نصر الله ومعه معظم قادة الصف الأول، صار المطلب الوطني الملح الذي لا يمانع به "حزب الله" ويروج له الرئيس نبيه بري هو القرار 1701. في نيسان الفائت عقدت "القوات اللبنانية" برئاسة الدكتور سمير جعجع مؤتمراً كان عنوانه تطبيق القرار 1701، فتعرضت "القوات" ومن لبى الدعوة إلى المؤتمر لشتى أنواع الحملات العنيفة. وكانت التهمة الجاهزة هي "مؤتمر وبيان إسرائيلي". فجأة لم تعد المطالبة بالقرار 1701 مطلباً إسرائيلياً. فلقد أصر الرئيس نبيه بري على ضرورة تطبيق القرار وأحال القرار المرجعي الأهم أي القرار 1559 إلى التاريخ. لكن الواقع يفيدنا بالعكس تماماً. فالمرجعة القانونية الدولية للقرار 1701 هي بالذات القرار 1559 ثم القرار 1680. الأول يشير بوضوح إلى حل سائر الميليشيات في لبنان، والثاني يشير إلى ضرورة سيطرة الدولة اللبنانية على كامل الحدود اللبنانية البرية، البحرية والجوية. أما اتفاق الطائف فهو مرجعية كل هذه القرارات الدولية التي تصب في مصلحة منطق إقامة الدولة وسيادتها فوق كل حالة غير شرعية. و"حزب الله" حالة غير شرعية وسلاحه غير شرعي. وكل المستوى السياسي الذي جبن طوال المرحلة السابقة منذ غزوات بيروت والجبل، ثم في "اتفاق الدوحة"، وصمت عن سلاح الحزب المذكور، ومنحه شرعية ملتوية عبر ذكر ما يسمى "مقاومة" في البيانات الوزارية اللاحقة كان المتواطئ والمستسلم الذي سلم البلاد إلى "حزب الله". وتنصلت أكثرية المستوى السياسي اللبناني من القرار 1559 في الوقت الذي كان الأخير يمثل أهم وثيقة في تاريخ لبنان. ولقد وصفناه في هذه الزاوية أكثر من مرة بأنه يمثل صك استقلال حقيقياً. وفي مطلق الأحوال دارت الدائرة وعاد الحديث عن القرار 1559. فهو الأساس مع اتفاق الطائف. ولعلم بعض الجهابذة فإن القرار المذكور استند بالحرف إلى نصوص اتفاق الطائف الذي ارتضيناه جميعاً كلبنانيين دستوراً للجمهورية. وبالتالي فإن القرار 1559 لم ولن يكون منبوذاً مهما فعل "حزب الله" مع حلفائه والراضين بقضائه. لقد نُحي القرار جانباً أكثر من عقدين، ثم عاد المجتمع الدولي إليه. والسبب بسيط: إنه وحده مع الدستور واتفاق الطائف الذي يحمي لبنان. لا صواريخ "حزب الله"، ولا استعراضات إيران، ولا الصراخ على شاشات التلفزة. وحده منطق الدولة القائمة على دستور وقانون ووحدانية المؤسسات الدستورية فوق كل حزب وفريق. إن قرار "حزب الله" الموحى به من إيران بمواصلة القتال سيعمق المأساة التي يعيشها اللبنانيون. لقد انتهى مفعول سلاح الحزب غير الشرعي. يجب العودة إلى الدولة. دولة الجميع. ويجب العودة إلى الشرعية الدولية بدءاً من القرارات ذات الصلة وأولها القرار 1559. وهو ليس معادياً لـ“حزب الله"، إنه قرار مع لبنان لا شريك له. ولذلك سيظل يعود ليضع عند كل امتحان صعب على الطاولة.