مرت ثلاثة أيام على الضربة الإسرائيلية على إيران، وبدأت تتكشف الخطوط الرئيسية لنتائجها. فعلى الرغم من أنَّ إيران أعلنت بلسان رئيس مجلس الشورى محمد باقر قاليباف أنها فشلت، فقد رفعت السلطات الإيرانية نبرتها الدعائية إلى درجة دفعت المراقبين إلى التساؤل عن مدى دقة ما قاله قاليباف، لا سيما ان إسرائيل سارعت إلى الإعلان عبر تسريبات او بتصريحات لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن الضربة حققت أهدافها وأنها أثرت إلى درجة أعاقتها لفترة برنامج صناعة الصواريخ الباليستية والمسيرات. لكن التفاصيل ستحتاج إلى فترة من الوقت قبل ان تتكشف كلها، لكن حسب ما كشف حتى الآن من معلومات يمكن فهم الغضب الإيراني، ورفع سقف الخطاب الرسمي إلى حد المجاهرة بأن رداً على إسرائيل يتم التحضير له تحت مسمى "الوعد الصادق-3”. ويذهب مسؤولون إيرانيون إلى حد التلويح بأن الرد على الرد سيكون على البنية الصناعية العسكرية لإسرائيل. بمعنى آخر، ان طهران اشرت بهذا التلويح إلى الأهداف التي ضربتها إسرائيل. كما اشرت من خلال التوعد بالرد وبـ"الوعد الصادق-3" أن الضربة كانت مؤلمة إلى حد انها تستدعي الرد.

حسب المعلومات التي توافرت حتى الآن، حققت الضربة الإسرائيلية نتائج مقلقة لإيران: أولها انها انتزعت لمدة أربع ساعات ونيف السيطرة الكاملة على الأجواء الإيرانية بعدما ضربت في طريقها وسائط الدفاع الجوي في سوريا، وجرى تحييد تلك المنتشرة في العراق، وانتهت إلى تدمير 3 من أصل 4 منظومات دفاع جوي تمتلكها طهران بعد أن دمرت رادارات منظومات "اس -300" الروسية الصنع التي تحمي العاصمة ومطارها الدولي، فضلاً عن منظومتي "اس -300" تحميان منشآت نووية منتشرة جنوبي العاصمة وشمال أصفهان. هذا واقع خطير جداً نظراً لأن أكثر من 100 طائرة مقاتلة شاركت في الضربة، وعادت كلها إلى قواعدها في إسرائيل، بعدما طارت ذهاباً وإياباً أكثر من 2000 كيلومتر. وحققت خلالها إسرائيل تفوقاً جوياً واضحاً على إيران وساحتيها في سوريا والعراق وصولاً إلى الأراضي الإيرانية نفسها. هذا ما من شأنه أن يضع "الكوريدور الإيراني" تحت رحمة الضربات الإسرائيلية من دون عناء يذكر.

ثانياً، لم تنجح إيران في تحريك أذرعها في المنطقة بما يكفي من التأثير لإجهاض الضربة الإسرائيلي كلياً أو جزئياً. فالفصائل العراقية ظلت خارج المعادلة مخافة ان تتعرض لغارات جوية قاتلة، كما ان جماعة الحوثي خرجوا من المعادلة بعد ضربتي ميناء الحديدة الإسرائيلية، صعدة وصنعاء الأميركية بقاذفة "بي -2" الاستراتيجية مما افهم الحوثيين ان مرحلة جديدة بدأت معهم. اما "حزب الله" فقد جرى تحريكه بكامل طاقاته الصاروخية قبل ساعات على الضربة، بحيث انه قام بأكثر من 42 هجوماً حتى وسط اسرائيل خلال ساعات النهار قبل الضربة، ومع ذلك أقلعت جميع الطائرات الإسرائيلية وعادت الى قواعدها من دون مشاكل تذكر.

ثالثاً، كشفت الضربة وحجم الاسطول الجوي الذي قام بها تفوق التسليح الغربي على التسليح الروسي، والصناعات الإيرانية المحلية. كل ذلك مع الاخذ بعين الاعتبار ان الانتشار العسكري الأميركي البحري والجوي امتد من شرق المتوسط، إلى الخليج العربي، وبحر عمان وشكل احتواء للأراضي الإيرانية.

رابعاً، مع تجنب إسرائيل ارتكاب "فاول" مع الإدارة الأميركية، من خلال الانضباط في الضربة، تجنب استهداف المنشآت النووية والنفطية الإيرانية، انتزعت هوامش زمنية جديدة في حربيها في غزة، ولبنان حيث طحنت حركة "حماس" ومعها القطاع بأكمله، وحيث تعرض "حزب الله" لضربة اكثر من قاسية وضعت مصيره على المحك، وبالتالي وضعت مجمل المشروع الإيراني التوسعي في دائرة الخطر الكبير. كل ذلك على قاعدة معادلة تقول ان تدمير "حزب الله" في لبنان ان حصل من شأنه ان ينقل طهران إلى مرحلة الدفاع عن النظام بمعناه الضيق.

خامساً وأخيراً، أثبتت الضربة المنسقة مع أميركا أن الأخيرة لا تزال على الرغم من ضعف الإدارة الحالية القوة العظمى الوحيدة في العالم الممسكة بمعظم أوراق المنطقة، إلى حد انها تنسق صراعا بين حليفتها التاريخية إسرائيل، وخصمها التاريخي ايران، فتضبط الإيقاع بينهما بـ"ميزان الجوهرجي" كما يقال في لبنان!