تستخدم منصات التواصل الاجتماعي في الغالب خوارزميات تُعطي الأولوية للمحتوى بناءً على تفضيلات المستخدم ومشاركاته، مما يخلق غرف صدى - هي بيئات يتم فيها تعزيز وتضخيم الأفكار أو الآراء أو المعتقدات من خلال التكرار داخل مجموعة معينة وتهميش الآراء المخالفة - لتعزز المعتقدات والتحيزات القائمة، ويظهر للمستخدم بيانات ومعلومات وفيديوهات موجهة بصورة ممنهجة وفق المواقع التي تزار وخيارات البحث لدى الفرد، مما يعزز شكه أو إيمانه بقضية ما أو تأييده لشخص أو حزب دون الآخر، وهو ما يحدث في الانتخابات الأميركية، وسيكون العامل الرئيسي في تحديد هوية الرئيس الأميركي القادم، واستقطاب الآراء السياسية، وخفض القدرة على الحوار والمناقشة البنّاءة وتحوّل الناخبين لشخصيات منقادة.
كما يمكن أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي أيضاً أرضاً خصبةً للمضايقات عبر الإنترنت، وخطاب الكراهية والتهويل والترهيب، وبأنه في حال انتخاب شخص على حساب آخر، أو تولي حزب دون الآخر سدة القيادة، فهناك احتمالية لحدوث شق وصدع لا يمكن تداركه في المجتمع، وانتشار العنف هو النتيجة الحتمية ويعزز ذلك بالأفلام ومختلف الفنون والفعاليات في شتى مناحي الحياة، وهنا يقف من يشارك في التصويت مع نفسه لاتخاذ قرارات ضد قناعاته، ولكنه يعتقد بأنها الأفضل لمستقبل أسرته وعيشه كفرد في المجتمع، ويخشى أكثر ما يخشاه فقدان أسلوب الحياة الذي يعيشه والتغيير الذي قد يرهق عاتقه، وبالتالي يرفض التغيير ويصوّت ليس لمن يعتقد بأنه الأصلح! ولكن للأكثر قدرةً على الحفاظ على الاستقرار في المجتمع وعدم فقدان ما يملكه، لتتحول الديمقراطية لسوط مصلت على الشارع وفق محدودية الخيارات لتجنّب السيناريو الأسوأ الذي قد ينتج عن نتائج الانتخابات، وزرع الشعور بعقدة الذنب في حال التخلّف عن التصويت، وتذهب الأصوات تباعاً للمرشح الذي خاطب العاطفة أكثر من العقل، وتأثير متراكم أشبه بتأثير المخدرات على العقل الإنساني من خلال الإدمان التقني على المعلومات المثيرة للجدل والتي تخلق نوع من التشويق لدى المتلقي والرغبة في معرفة المزيد!
لوسائل التواصل الاجتماعي تأثير على الذكاء العاطفي، وقد يتعرض السياسيون والناشطون والمستخدمون اليوميون للتهديدات والترهيب والإساءة، مما قد يثّبط عزيمتهم في التحري عن الحقائق وتفنيدها، بجانب انتشار المعلومات المتضاربة، والتي يمكن بدورها أن تقوّض من جودة المناقشات السياسية وتؤدي إلى تآكل ثقة الجمهور في العملية الديمقراطية، ناهيك عن أن منصات التواصل الاجتماعي أصبحت الساحة الأولى لتسليح المعلومات، وخاصةً أن هذه المنصات تجعل من السهل الوصول إلى جماهير كبيرة، ولديها القدرة على التلاعب بالميول من خلال التقارير والمقالات الإخبارية الملفّقة والصور ومقاطع الفيديو المزيفة.
كما يمكن استخدام البرمجة العصبية والذهنية الرقمية من قبل الأفراد أو الأحزاب السياسية، أو حتى الحكومات والشركات واللوبيات المستفيدة من نتائج الانتخابات ليوجه للجمهور تسونامي من التدليس العصبي وتقزيم للعقلية الناقدة، ولقد أدت صعوبة التفريق بين المعلومات والشائعات على وسائل التواصل الاجتماعي إلى تآكل الثقة في مصادر الأخبار التقليدية، مما يصعب على الجمهور التمييز بين الحقيقة والخيال بشكل متزايد.
ويتضمن «تسليح» المعلومات استخدام البيانات الشخصية ضد المعارضين السياسيين لتشويه سمعتهم أو تقويض موقفهم، وبدورها يمكن لتقنيات التزييف أو الخداع العميق باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي تنظيم حملات الشيطنة المستهدفة بصورة مقنعة للغاية.
وفيما يتعلق بالمجموعات والأفراد غير المهتمين بالسياسة، يلعب تحويل الانتخابات لمسلسل شيّق لمتابعتهم للانتخابات، وبالتالي المشاركة في عملية التصويت، حيث تسخّرُ كل تخصصات علم النفس، وتدمج مع ما يحدث في وسائل التواصل الاجتماعي، والشروع في الهندسة الاجتماعية وتحريك الشعوب كدمى بشرية، والخطير في ذلك أن الفرد لا يشعر بذلك بغض النظر عن مستواه العلمي والثقافي، وهنا مكمن التحدي فيما هو قادم، وتحول نسبة مؤثرة من السكان إلى يمين راديكالي عنيف يقصي كل من سواه، أو إلى يسار متعصب لا يتواني عن إشهار السلاح في وجه معارضيه، وقد تعاني الولايات المتحدة الأميركية وقارة أوروبا من ذلك التهديد أكثر من غيرها مستقبلاً.
التعليقات