عبده الأسمري

يمثل السلوك الوجه الحقيقي لشخصية الإنسان في كل اتجاهات الحياة في ظل «مثيرات» واستجابات تتشكل لإصداره وخروجه في هيئة أقوال أو انفعالات مرتبطة بالضبط والانفعال والاتزان والتهور والخطأ والصواب، وغيرها من «المتضادات» التي تبنى عليها الكثير من النتائج التي تقع تداعياتها على «البشر» من خلال سلوكيات لاحقة وانعكاسات مختلفة.

يدخل علم النفس ليكون ركناً أساسياً للتحليل وتوصيف الشخصية وتوظيف الهدف ومعرفة «الدواعي» الأولى لإصدار السلوك مع وجوده كمنبع لإخراج البشر من «متاهات» التفكير وإيصالهم إلى «مدارات» التدبير الأمر الذي يتطلب دراسة الشخصية من كل جوانبها والوصول إلى «عمق» النفس البشرية التي أصدرت السلوك.

يرتبط علم النفس ارتباطاً وثيقاً بالبيئة العملية والحياة العامة والخاصة التي يعيشها الإنسان، وقد تنبهت العديد من الدراسات المتخصصة لأهمية وجود هذا العلم في مجالات معينة من الأعمال الأمر الذي أظهر تخصصات علم النفس العسكري والصناعي والتجاري والمهني والاقتصادي والإعلامي وغيرها ولكنها ظلت في منعطفات البحث ولم تتجل في الواقع وفق المفترض في وقت تظل منجزات هذه القطاعات قائمة على «البشر» والذين يشكلون «سواعد» النجاح و«أركان» التميز.

ينظر البشر إلى «علم النفس» من منظور علاجي وتحليلي وفق نظرات محدودة وقد ظلت تخصصاته في «منأى» عن التخطيط التنموي والبعد الفكري لعقود في بلدان متعددة وظلت فروعه الدقيقة مجالاً لرسائل الماجستير والدكتوراه ومناهج تكميلية في تخصصات البكالوريوس فقط رغم الحاجة الماسة لأن يكون هذا «العلم» ركناً أساسياً في منظومة العمل وفي صناعة المستقبل.

أتعجب من أن الكثير من عيادات الطب النفسي داخل المستشفيات والعيادات الخاصة لا تزال تعالج المرضى بالتشخيص السريع وفق «الأعراض»، مع الإعراض عن البحث الدقيق في منظومة البيئة الحياتية والعملية للمراجع وفي ظل نقص العمل المهني بعدم وجود أخصائي في علم النفس الإكلينكي ومتخصص في الارشاد الأسري والسلوكي مع وجود الأخصائي الاجتماعي؛ مما أدى إلى استمرار وجود «مكامن الخلل» وانعدام «الاحتراف» وظل الاعتماد على صرف «أدوية» نفسية ومثبطات للاكتئاب ومهدئات للجهاز العصبي تظل بمثابة «العلاج الوقتي» أو «الراحة المؤقتة» في وقت يظل «المراجعون «مرابطين على أبواب العيادات لأسباب تتعلق بعدم تحسن الحالة أو حتى انتكاسها بسبب توقف الدواء أو تدخلات «المرافقين» للمريض واستمرار مسببات المرض في المحيط الاجتماعي وغيرها، وفي ظل عدم اكتمال «أطراف» المنظومة العلاجية الكاملة بشكل احترافي ومهني.

وفي قطاعات العمل يندر، بل وينعدم وجود الاخصائيين النفسيين المحترفين وأصحاب الخبرات مع الضرورة القصوى لوجودهم في ظل التطور المذهل في العلوم والمعارف والثورة الاقتصادية وازدياد معدل «التحديات» وارتفاع مؤشرات «التسرب الوظيفي» ووجود البطالة وتزايد احتمالات الأمراض النفسية والمشكلات الحياتية والالتزامات المعيشية حتى يكون هنالك متخصصون يدرسون أوضاع الموظفين ويشخصون ما يمر ببعضهم من «أزمات» ومساعدة الآخرين ممن ارتفعت معدلات غيابهم وإعانة من يعاني من «ظروف خاصة» وتسخير مهارات «المتميزين» لرفع مستوى أدائهم وتوفير خطوط تعاون مع «جهات علاجية» إن لزم الأمر وغيرها من المهام في هذا الجانب الحيوي الهام.

لابد من وجود علم النفس بتخصصاته في كل جهات العمل سواء الحكومي أو الخاص فالتخصصات والفروع المنطلقة من أصل هذا العلم ترتبط بالإنسان وتترابط مع سلوكه وعمله وحياته وأهدافه وكل القطاعات المتخصصة في النواحي الاقتصادية والتنموية والاجتماعية والتعليمية والصحية والخدمات بحاجة إلى المتخصصين لاستيفاء أصول «التخطيط» والوفاء بمطالب «التطور» وحتى يكون هنالك دراسات حقيقية للسلوك ومعالجة المشكلات المتعلقة بالموظف نفسياً وسلوكياً ودراسة مكامن الضعف في الإنتاج وعلاجها واتجاهات التميز وتعزيزها ومساعدة الجهة في تذليل الصعوبات المتعلقة بالجوانب السيكولوجية لإنجاز العمل الذى أرى أن تضع «الوزارات» و«الجهات الخاصة» وجود تخصصات علم النفس الدقيقة المرتبطة بأعمالها وأهدافها ونشاطها في قوالب «التوظيف» المتطور المستقبلي القائم على «الابتكار» والتفكير الإبداعي والانجاز التنموي.