خالد بن حمد المالك

لبنان يمر الآن بفترة مخاض عسيرة بين أن يبقى تحت القصف الإسرائيلي المتواصل إلى أن يكون غزة أخرى، وبين القبول بإيقاف إطلاق النار بشروط إسرائيل على ما فيها من إذلال، وانتقاص من سيادته، ومن إملاءات ما كان ليقبل بها لولا آثار العدوان الإسرائيلي على مدى شهرين.

* *

مشروع الاتفاق الأمريكي بين إسرائيل وحزب الله مطروح الآن أمام اللبنانيين، وإن كان المقصود به حزب الله -كما هي التسريبات-، ويحق للطرفين استئناف القتال دفاعاً عن النفس، وعادة ما تكون مثل هذه الاتفاقيات فيها من الثغرات والمصطلحات القانونية الفضفاضة التي تقبل أكثر من تفسير، وأكثر من تحليل لصالح أصحاب النوايا المستقبلية المشبوهة، مما يستدعي الحذر قبل التوقيع عليه.

* *

ولا أعتقد أن حزب الله لديه خيارات أخرى أو فرصة للتفكير في ما هو أفضل من هذا العرض الناقص أو الاتفاق الذي يخدم إسرائيل، فقد قُتل أمين الحزب حسن نصرالله والأمين العام الخلف، وقادة الصف الأول والثاني في الحزب، واستنفد أو خسر الكثير من أسلحته، وجُرد من مواقع قوته في لبنان وسوريا، وأُقصي من الحدود مع إسرائيل، كما دُمرت الكثير من مواقعه، وهو أمام ذلك فإملاءات إسرائيل تعتمد على نتائجها وتفوقها في هذه الحرب.

* *

وإذا كان قد قتل أكثر من ثلاثة آلاف وخمسمائة من اللبنانيين، والإصابات أكثر من ذلك بكثير، وأن من تم تهجيرهم بمئات الآلاف، وحدّث ولا حرج عن حجم الدمار الذي مس الكثير من المباني في لبنان، وما زال الطريق ممهداً لإسرائيل أمام ضعف المقاومة للقضاء على مفاصل حزب الله، وما بقي لديه من قوة، مع ما يصاحب عدوانها من إضرار بالمدنيين ومساكنهم، والبنى التحتية في البلاد، مع انهيار الاقتصاد بأسوأ مما هو عليه الآن من سوء.

* *

صحيح أن لدى حزب الله بقية من صواريخ ومسيرات مازال يستخدمها في هجومه على إسرائيل، ولكن هذه ستنفد يوماً إذا استمر القتال، وتعويضها من إيران لم يعد ممكنناً بعد أن حاصرت إسرائيل المنافذ من سوريا ومن البحر، وطوقت مناطق تسريب السلاح إلى حزب الله من أي مكان ومصدر.

* *

الحل -بنظرنا- كي يتعافى لبنان، وتعود علاقاته مع جميع الدول، ويسترد ما فقده في السياحة وغيرها، أن يكون حزب الله وجميع الأحزاب اللبنانية سياسية وليست عسكرية، وأن يكون السلاح محصوراً في الجيش اللبناني الوطني، وأن يتم الإسراع بانتخاب رئيس للبلاد، وحكومة بديلة لحكومة تصريف الأعمال، وأن يتم دعم الجيش ليكون قادراً على نزع فتيل القوة العسكرية التي يتمتع بها حزب الله وغير حزب الله، ودون ذلك فسيظل لبنان يتآكل إلى أن يصبح دولة فاشلة.

* *

نحن نراقب الموقف، ونتابع الأحداث في هذا البلد المنكوب قبل العدوان الأخير، وما كنا نحذر منه قد حدث، ونجدد تحذيرنا الآن، من أن لا سلام ولا استقرار ولا أمن ولا مستقبل للبنان ما لم تنه قدرات الأحزاب العسكرية الموازية للجيش، أو تلك المتفوقة عسكرياً عليه، ونخص بالذكر حزب الله دون غيره، لأنه هو من كان يمسك بمفاصل القرارات المهمة، بما في ذلك إعلان الحرب والسلام، معتمداً على قوته العسكرية المتفوقة، وعلى الدعم الخارجي غير المحدود.