عبد الله سليمان الطليان
الحضارة هي النتاج الفكري والثقافي والمادي المتراكم لأمةٍ من الأمم والتي تمنحها خاصية مميزة عن الأمم الأخرى على مسار التاريخ وتعاقب الأمم وأثرها في الحضارة الإنسانية، وكان لابد من معرفة كيف حصلت على هذا التميز؟
بما أن الموضوع متشعب ويحتاج إلى صفحات عدة سوف أحاول أن أختصره بقدر المستطاع من خلال التركيز على الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية الممتدة إلى وقتنا الحاضر فقط، المكتبات ومراكز الأبحاث تعج بالكثير من الكتب والدراسات المختلفة عن الحضارة الإسلامية بعضها منصف والاخر مشوه لحقيقتها ودورها في التقدم الذي نعيشه حاليا يعود أساس هذا التشويه والانقاص من دور العرب والمسلمين إلى المواجهة بين الإسلام والمسيحية (ولعل الأندلس خير مثال).
شع نور الحضارة الإسلامية بعد اتساع رقعة المساحة التي استولى عليها المسلمون، فكيف تم هذا، إنها القوة ولكن من صنعها؟ لقد خاض المسلمون معارك وحروبا شرسة وزحفوا حتى وصلوا إلى حدود (روما). لقد أبدعوا في الإعداد للمعارك والحروب من امتلاك سلاح وخيول سريعة وشجاعة وفكر حربي متقدم أرهب الأعداء في كل مكان بعد بسط السيطرة على الأراضي، أخذ الرقي الحضاري الإسلامي يظهر في العلم والأدب والثقافة والعمارة، ولعل معالم البناء في المساجد والقصور بارزة إلى يومنا الحاضر شاهدة على ذلك، مع الزمن وتعاقبه انهارت هذه الحضارة وكان أهم عامل في انهيارها هو ضياع القوة الحربية المجتمعة.
نأتي إلى الحضارة الغربية والتي شهدت حروبا ومعارك منها (حرب المائة عام (من عام (1337م إلى 1453م) كانت صراعًا بين مملكتي إنجلترا وفرنسا وحربًا أهلية في فرنسا خلال أواخر العصور الوسطى نشأت من النزاعات الإقطاعية حول دوقية أقطانية واندلعت بسبب مطالبة إدوارد الثالث ملك إنجلترا بالعرش الفرنسي. تطورت الحرب إلى صراع عسكري واقتصادي وسياسي أوسع نطاقًا شمل فصائل من جميع أنحاء أوروبا الغربية.
من عام 1760م إلى عام 1830م كما يرجح كانت البداية للثورة الصناعية في بريطانيا العظمى، فكانت العديد من الابتكارات التقنية من أصل بريطاني حتى أضحت في منتصف القرن الثامن عشر الدولة التجارية الرائدة في العالم، وسيطرت على إمبراطورية تجارية عالمية مع مستعمرات في أمريكا الشمالية ومنطقة البحر الكاريبي، وهيمنة عسكرية وسياسية كبيرة على شبه القارة الهندية، لقد اكتسبت بريطانيا على الرغم من صغر مساحتها على القوة العسكرية، كان أساس هذه القوة هو الثورة الصناعية، وهذا ما ينطبق على المانيا التي صنع منها النازيون بقيادة هتلر بعد الحرب العالمية الثانية (دولة صناعية) هي الآن الدولة الثالثة في ترتيب الدول الكبرى الاقتصادية بعد امريكا والصين.
الدول الغربية بعدما صنعت القوة العسكرية والاقتصادية راحت تسوق الديمقراطية وحقوق الإنسان وفق مصالحها ذات الاستعمار الخفي على بقية دول العالم, وهناك مراكز بحث وتمويل غربية تأخذ في ظاهرها طابع إنساني تستخدم هذا الغطاء من أجل (الكولونيالية أو الاستعمارية ) التي هي السائدة الآن، لقد وجد مفهوم الديمقراطية وحقوق الانسان الغربية الأعجاب لدي الكثير من الشعوب النامية والتي سوف تبقى للفرد الغربي فقط وتحديداً من الجنس (الأبيض) والسود خير مثال في أمريكا خاصة في العدالة القضائية والمستوى المعيشي المتدني.
أخيراً يقول المفكر والأديب الهندي بانكاج ميشرا في كتابه (زمن الغضب) في الوقت الذي كانت فيه أوروبا الغربية تتحول وتتقوى بفضل المعجزة الاقتصادية التي حققتها بعد الحرب، وظهرت فيه الولايات المتحدة كأقوى بلد في التاريخ, كان على العالم المنبثق عن تصفية الاستعمار أن ينجز في ظرف عشرين أو ثلاثين سنة تطورات سياسية واقتصادية استغرقت أكثر من قرن في أوروبا وأمريكا.
التعليقات