هي صور موجودة وعايشناها وتكررت، وليس بالضرورة أنها وصلت حد الظاهرة، لكن كل من عمل لأكثر من عشر سنوات وفي قطاعات مختلفة لا بد أنه لاحظ واحدة منها على الأقل، وأتمنى أن نعمل على اجتثاثها أو الحد منها كما فعلنا بكل حزم وعزم مع الفساد فهي صور من جنس الفساد.

إحدى هذه الصور هو إصرار المدير الجديد للمؤسسة على طمس إنجازات سلفه والتنكر لمنجزات سابقه، والأدهى والأمر أن يسعى جاهداً لهدم ما بناه سلفه بدلاً من أن يكمل البنيان ويواصل الركض في طريق الإنجاز، تماماً كالمتسابق التالي في سباق التتابع بدلاً من أن يرمي العصا ويعود من جديد وفي ميدان آخر مختلف، ولمن يظن أن هذه الصورة نادرة أو أنني بالغت في سوادها، أقول إننا شاهدناها وعايشناها كثيراً وسببها مركب نقص لدى الجديد يشعره بأنه لا يمكن أن يبرز إلا في مساحة خالية أو أن لديه موقف من المدير السابق جعله يحقد عليه لدرجة لا يتحمل معها بقاء ما يذكره به (ما ذنب المؤسسة وذنبنا كموظفين فيما بينكما من تصفية حسابات؟!).

الصورة الثانية: تتجسد في اختزال جهود فريق العمل في شخص واحد (غالباً لأنه المدير)، وهذا أمر يتكرر وهو محبط للفريق، وغالبية الإنجازات إن لم يكن جميعها هي نتاج عمل فريق إما هندسي أو طبي أو صيدلاني أو علمي بحثي أو قانوني أو إداري، ويفترض أن يجير النجاح لجميع أعضاء الفريق بالتساوي، فهم كالجسد الواحد لو أخفق منه عضو لتداعى له سائر الجسد (المتمثل هنا بالعمل) وفشل ولم يتحقق الإنجاز، لذا علينا دوماً كوطن وإعلام وطن أن نحتفل بالإنجاز الوطني ونحتفي بجميع عناصر الفريق دون تمييز واحد عن آخر، ومن الغريب جداً أن لاعبي كرة القدم (رغم تدني تعليم أغلبهم) يجيرون إنجازاتهم لكل الفريق وكذا إخفاقاتهم، بينما يختزل متعلمون الإنجاز في رئيس الفريق (غالباً المدير) بينما يتحمل الفشل العنصر الأقل وظيفياً!

الصورة الثالثة: هي صورة الموظف (البيز)، و(البيز) لمن لا يعرفه هو قطعة من قماش سميك أو محشو بالقطن يستخدم لحمل الدلة من النار أو أي قدر ساخن ليحمي حامله من الحرق، ويقول السلف في الأمثال الشعبية (رد البيز هات البيز وأثر البيز خرقة)، وأشبه الموظف بـ(البيز) لأن المدير يستخدمه واقياً لتحمل الإخفاقات خاصة الإعلامية، فيطلب منه أن يكتب الردود الإعلامية على الانتقادات أو مقالات الثناء على المدير أو هجو غيره أو التغريدات سواء للقدح أو المدح فيكون الموظف عرضة للسعات نار ردود الفعل والمدير محمياً عنها، تماماً مثل اليد والبيز.

الصورة الرابعة: كتبت عنها قديماً وحديثاً وأسميتها الأنوف الشائكة، وهي مجموعة تحيط بالمدير وتشم رائحة كل من يقترب منه أو يتقرب إليه فتحاول منعه وعزل المدير عن رؤية وسماع أي شيء لا يخدم مصالحها، ومثل هؤلاء صورة الشللية والمناطقية التي يحيط بها بعض المسؤولين نفسه فيخسر هو والمؤسسة كفاءات مؤهلة لا ينقصها إلا كونها ليست من الشلة أو المنطقة.

أما الصورة الأخيرة، فتتمثل في سرقة إبداعات وإنجازات الموظف من قبل الرئيس المباشر؛ لأن عقدة التسلسل الوظيفي تفرض على الموظف أن لا يكتب للمدير إلا عبر رئيسه المباشر، فإن راقت الفكرة الإبداعية فسوف تسرق من الرئيس أو المدير وتسجل لهم، فهي أي الفكرة الإبداعية أصبحت مثل نعجة ضائعة فهي لك أو لأخيك أو للذئب، وما أكثر ذئاب سرقة الإنجازات.