ماذا بعد سقوط حلب؟ هل تتمكن حكومة دمشق من سحق المعتدين، واستعادة الإمساك بالمبادرة، وماذا بعد هذا التقدم الكبير للمجموعات المتطرفة والمسلحة؟

قوات «هيئة تحرير الشام» بدأت بالتوجه جنوباً نحو مدينة حماة، على رغم الضربات الجوية السورية– الروسية. الهجوم الفجائي والسريع أثار العديد من الأسئلة في جهات عدَّة. ويبدو أن تلك الأسئلة ستظل قائمة من دون إجابات، حتى وقت لاحق مستقبلاً.

توقيت هجوم قوات «هيئة تحرير الشام» على المدينة الثانية في سوريا يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنَّ خطة الهجوم كانت جاهزة، في انتظار اللحظة المناسبة، وأنَّها أُعدَّت بسرية تامة وبدقة متناهية. وحين واتتِ اللحظة، اندفعت القوات فجأة وبقوة ودخلت حلب، بعد معارك تمكنت فيها من القضاء على المقاومة السورية، ممثلة في وحدات الجيش السوري المتمركزة في المدينة، وإجبارها على الانسحاب، وتكبيدها خسائر كبيرة، اعترفت بها دمشق. التقارير الإعلامية تؤكد أنَّ القوة المهاجمة مسلحة تسليحاً جيداً، وأنها استخدمت المُسيَّرات في الهجوم.

وسائل التواصل الاجتماعي نقلت صوراً للمهاجمين في شوارع وميادين حلب. كما قام المهاجمون بتحرير السجناء من السجون. وفرَّ الكثيرون من سكان المدينة طلباً للنجاة.

السؤال الأبرز والجدير بالإجابة يتعلق بمَن مِنَ القوى الإقليمية أو الدولية وراء الهجوم سياسياً وعسكرياً؟ أصابع اتهام كثيرة ظهرت في عدة تقارير إعلامية غربية تشير نحو أنقرة، على اعتبار أن الأخيرة تسيطر على مدينة إدلب، وتدعم الجماعات الإسلاموية المعارضة التي لجأت إلى المدينة عقب خروجها من حلب، تحت ضربات الطيران والمدفعية الروسيين. إلا أن أنقرة التزمت الصمت. وتقارير أخرى تشير نحو عواصم غربية، ولم يأتِ منها رد.

حربٌ تلد أخرى، وصف نحته صحافي عراقي في مرحلة مبكرة من الحرب ضد العراق، ما زال ساري المفعول؛ إذ بمجرد توقف الحرب بين إسرائيل و«حزب الله» في لبنان، بدأت على الفور حرب أخرى في ساحة مجاورة. وكأن الحرب عامل ثابت في معادلات المنطقة، والسلام عامل متحول.

السرِّية لعبت دوراً حاسماً في نجاح الهجوم، بمعنى أن الأجهزة الأمنية السورية ونظيراتها في طهران وموسكو أُخذت على حين غرة. المعنى الحرفي للوصف «على حين غرة»، أنها كانت في غفلة.

البعض من المعلقين يرون أن الهدف من الهجوم، وفي هذا التوقيت، هو قطع خط الإمدادات بين طهران و«حزب الله» في لبنان. أي حرمان طهران من قاعدتها في لبنان، ووضع نهاية لضغوطها على إسرائيل، وحرمان «حزب الله» من إعادة بناء قدراته العسكرية. وهو تحليل لا تنقصه الواقعية، آخذين في الاعتبار الدور الذي كان يلعبه الحزب كقاعدة متقدمة لإيران على الحدود مع إسرائيل، ودعمه لحركة «حماس» في قطاع غزة. وإسرائيل -حسب مصادر إعلامية- تراقب تطورات الوضع الجديد في سوريا من كثب. هل كانت المخابرات الإسرائيلية (الموساد) على علم بالهجوم؟

الهجوم بالطبع فاجأ الجيش السوري المنهك طيلة هذه الحروب المستمرة. الروس مشغولون بالحرب ضد أوكرانيا، واضطروا إلى تحويل قواتهم من سوريا للحرب في الجبهات الأوكرانية، ولم تعد هناك إمكانية لاستدعاء قوات «حزب الله» بعد الضربات الإسرائيلية الأخيرة عليه. وليس في مقدور إيران التحرك والمساندة كالسابق نتيجة المواجهات مع إسرائيل. وهذا يعني أن العبء الأكبر في صد المهاجمين والدفاع عن حماة ودمشق سيقع على عاتق قوات السلطات السورية، بمساعدة جوية مما تبقى من الطائرات الروسية في سوريا.

التقارير الإعلامية تؤكد أن الغارات الجوية تمكنت من إعاقة تقدم الفصائل المسلحة. كما قامت بغارات على قواعدهم في مدينة إدلب؛ حيث يعيش قرابة 3- 4 ملايين نسمة، أغلبهم من المهاجرين الذين اضطروا إلى مغادرة سوريا بعد سقوط مدينة حلب في أيدي الجيش السوري.

الرهان الآن على مدى قدرة الجيش السوري على صد الهجوم والمبادرة بهجوم معاكس في وقت قريب ضد هذه المجموعات المسلحة.

ويبقى مهماً التذكير من وجهة نظري أن إسرائيل ستكون الفائزة الوحيدة في هذه الحرب.