يُعد مشروع قطار الرياض إحدى أبرز العلامات الفارقة في مسيرة التنمية والتطوير التي شهدتها المملكة العربية السعودية، فقد كانت بداية فكرة هذا المشروع الطموح يوم 1 /11 /1430 هـ الموافق 20 /10 /2009م، عندما قام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- برفع وثيقة إنشاء مشروع قطار الرياض للمقام السامي، حينما كان رئيسًا للهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض. ومنذ ذلك الحين، أصبح هذا المشروع حجر الزاوية في رؤية الملك سلمان لمستقبل العاصمة.

إن مشروع قطار الرياض يُمثل ثمرة اقتراح ومتابعة مستمرة من الملك سلمان منذ توليه مسؤولياته في الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض وأثناء فترة عمله كأميرٍ للمنطقة. هذا الاهتمام استمر حتى بعد تقلده منصب ولي العهد ومن ثم خادم الحرمين الشريفين. كانت رؤيته تقوم على إدراك الحاجة الملحّة لتطوير نظام نقل عام يساهم في حل تحديات التنقل الناجمة عن التوسع العمراني السريع وازدياد عدد السكان.

اتسمت نظرة الملك سلمان لمستقبل مدينة الرياض برؤية استشرافية طموحة؛ حيث كان يدرك -حفظه الله- أن معالجة المشكلات الحضرية الناتجة عن التطور العمراني تتطلب مشروعات استراتيجية كبرى. ومن هذا المنطلق، لم يكن قطار الرياض مجرد مشروع نقل عادي، بل كان جزءًا من رؤية شاملة لجعل العاصمة نموذجًا عالميًا في البنية التحتية والتنمية المستدامة.

أولى الملك سلمان اهتمامًا بالغًا بالتخطيط المسبق لضمان نجاح المشروع. وقد شمل ذلك إعداد الدراسات اللازمة والتصاميم الهندسية والمواصفات الفنية، إلى جانب إعداد وثائق الطرح بدقة عالية. هذه الخطوات تمثل نموذجًا للتخطيط المحكم الذي يُمهد الطريق لتنفيذ مشاريع كبرى بأعلى المعايير العالمية.

كان خادم الحرمين الشريفين أول من استخدم تعبير "العمود الفقري" لوصف مشروع النقل العام بشقيه، الحافلات والقطار. ويعكس هذا التعبير اهتمامه العميق بالمشروع ودوره الجوهري في تحسين جودة الحياة للسكان. لم يكن استخدام هذه العبارة مجرد توصيف، بل تأكيدًا على أهمية المشروع كعنصر محوري في البنية التحتية للمدينة.

ما يميز هذا المشروع هو استمرار الرؤية والتنفيذ على مدى السنوات، بالرغم من التغيرات التي طرأت على المناصب القيادية. هذا الثبات يعكس القيادة المؤسسية التي تتسم بها المملكة، والثقة الراسخة في اتخاذ القرارات المصيرية التي تصب في مصلحة الوطن والمواطن.

لم يكن مشروع قطار الرياض نتاج رؤية فردية فقط، بل نموذجًا ناجحًا للتنسيق مع الجهات ذات العلاقة. أشارت الوثيقة التي رفعها الملك سلمان إلى أهمية التعاون بين مختلف الجهات، مثل وزارة المالية، ووزارة النقل، ومرور المنطقة، وأمانة الرياض. كما تمت عدة اجتماعات تنسيقية لضمان تكامل الجهود وتحقيق أفضل النتائج.

رغم التحديات الكبيرة التي واجهت تنفيذ مشروع بحجم قطار الرياض، إلا أن التخطيط المتدرج والمحكم أسهم في تحويل الفكرة إلى واقع ملموس. يُعد المشروع أحد أكبر مشاريع النقل العام في العالم، ويبرز كدليل على قدرة المملكة على تنفيذ مشاريع كبرى تُحدث تغييرًا نوعيًا في حياة السكان.

إن وجود الوثيقة التي بدأ بها المشروع يُعد شاهدًا على النظرة المستقبلية للدولة، وقدرتها على تنفيذ مشاريع تنموية ذات أثر استراتيجي مستدام. هذا المشروع لا يخدم فقط الأجيال الحالية، بل يُمثل إرثًا للأجيال القادمة، يُسهم في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 ويعزز من مكانتها على الصعيدين الإقليمي والدولي.

يُمثل قطار الرياض تجسيدًا عمليًا لرؤية الملك سلمان -حفظه الله- لمستقبل العاصمة، بوصفه "العمود الفقري للنقل العام". هذا المشروع ليس إنجازًا حضريًا فقط، بل رسالة واضحة عن إصرار المملكة على تحقيق التنمية المستدامة وخدمة المواطن والمقيم وفق أرقى المعايير العالمية، وشاهدًا حيًا على رؤية الملك سلمان -حفظه الله- وإرادته القوية لتطوير العاصمة، وجعلها مدينة عالمية ذات بنية تحتية حديثة تخدم احتياجات السكان حاليًا ومستقبلًا.