سامي الدجوي

في صباح يوم جديد، جلس موظف على مكتبه، متأملاً بداية يوم روتينية في بيئة عمل اعتادها لسنوات. كانت ملامحه هادئة كعادته، ولم يظهر عليه أي شيء غير مألوف. ومع ذلك، صدم الجميع بوضع استقالته على مكتب مديره. فما الذي حدث؟ لم يكن هذا القرار وليد اللحظة، بل نتاج مشاعر متراكمة وإحباط مستمر، شعر فيه أن جهوده لم تلقَ التقدير الذي يستحقه. وفي عام 2014، كشفت وحدة استطلاعات الرأي العام بمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني عن دراسة استطلاعية حول الولاء التنظيمي لدى الموظفين في المملكة، وأظهرت النتائج أن 22.4% من الموظفين في القطاعين الحكومي والخاص يفكرون في ترك وظائفهم الحالية. هذه القصة الواقعية وهذه الإحصائية المنطقية تُسلط الضوء على أزمة خفية تُهدد استقرار العديد من المنظمات. هذه الأزمة قد لا تكون واضحة في سلوكيات الموظفين اليومية، لكنها تتجلى فجأة في قرارات حاسمة تُربك العمل وتهدد الإنتاجية. هذا يدفعنا للتفكير بجدية حول الاتجاهات الداخلية للموظفين، فماذا يُقصد بذلك؟

الاتجاهات الداخلية للموظف هي مزيج من المعتقدات والمشاعر والميول السلوكية التي تتشكل داخلياً، وتكون مستقرة نسبياً، وتوجه نحو البيئة الخارجية كالمنظمة والوظيفة والأفراد. دعونا نتأمل معاً في هذا التعريف لنستنتج سوياً ثلاث نقاط أساسية. أولها، أن الاتجاهات تُبنى من ثلاثة عناصر رئيسية داخل الموظف: معتقداته نحو شيء أو شخص (مثل: الثقة بالنظام الإداري، والتقدير للموظفين)، ومشاعره تجاه هذا الشيء أو الشخص (مثل: الحب، والرضا، والإحباط، والغضب)، وميوله لفعل سلوك ما (مثل: التفكير في تقديم مقترحات، ومحاولة تجنب المهام غير المفضلة). فهذه المعتقدات والمشاعر تنمو داخل الموظف يوماً بعد يوم. ثانيها، أن هذه الاتجاهات مستقرة نسبياً فترة معينة وثابتة لحدٍ ما وفي نفس الوقت قابلة للتغير في بيئة العمل. ثالثها، أن الاتجاهات تنعكس على بيئات العمل المختلفة. فعلى مستوى المنظمة، يمكن أن يظهر الولاء أو الانتماء؛ وعلى مستوى الوظيفة، قد يتجلى ذلك في الرغبة بالإتقان أو الإنجاز؛ بينما على مستوى العلاقات مع الأفراد، يمكن أن تظهر سمات مثل الاحترام المتبادل أو التعاطف.

وهنا قد يتساءل بعض القراء الأعزاء: هل تكون المنظمة فعلاً في خطر إذا لم يصدر عن الموظف أي سلوك سلبي ظاهر؟ الإجابة تكمن في أن غياب السلوك السلبي لا يعني بالضرورة أن وضع المنظمة أو الوظيفة أو العلاقات بين الأفراد جيد. بل على العكس تماماً، فإن المنظمة قد تكون في مواجهة خطر حقيقي يكمن في فقدان كفاءات عالية. فالموظفون الأكثر كفاءة وتميزاً ورقياً هم غالباً الأكثر عرضة لاتخاذ قرار ترك العمل بهدوء إذا لم يجدوا التقدير المناسب لهم أو البيئة المناسبة التي تدعم نموهم وتحفزهم. وهكذا، يصبح الصمت المؤقت إشارة تحذيرية قد تؤدي إلى خسائر يصعب تعويضها.

تلخيصاً لما سبق، فإن فهم اتجاهات الموظفين ليس رفاهية، بل ضرورة إستراتيجية لضمان استقرار بيئة العمل ونجاحها المستدام. فالمعتقدات والمشاعر والميول السلوكية للموظفين ليست مجرد مكونات داخلية غير مرئية، بل هي إشارات قوية لما قد يتحول إلى أفعال إيجابية أو سلبية تؤثر بشكل مباشر على أداء المنظمة واستقرارها. عدم معالجة هذه الإشارات يعني المخاطرة بفقدان موظفين أكفاء قد يشكلون العمود الفقري لنجاح المنظمة وتقدمها. لذلك، فإن المنظمات الناجحة والطموحة لبناء بيئة عمل مستقرة ومنتجة تعمل على إعادة صياغة إستراتيجياتها لفهم وتحليل هذه الاتجاهات، والعمل على معالجتها قبل أن تتحول من مشاعر مكتومة إلى أزمات ملموسة وخسائر يصعب تعويضها. أخيراً، إن الاستثمار في توفير بيئة عمل صحية تحتضن مشاعر الموظفين وتلبي احتياجاتهم ليس مجرد تحسين داخلي، بل هو استثمار طويل الأمد في بناء مستقبل إداري واقتصادي واجتماعي متين للوطن. دعونا نجعل من منظماتنا، سواء الحكومية أو الخاصة، نموذجاً عالمياً يُحتذى به في خلق بيئة عمل ملهمة تُقدر المخلصين، وتسهم بفعالية في تحقيق رؤية المملكة الطموحة 2030.