سلطان ابراهيم الخلف

نصف قرن من وقوع سورية في أيدي سُلطة ديكتاتورية قمعية، بدأت بشعار بعثي عروبي، ثمّ تحوّلت إلى سُلطة عائلية ضيقة، تحكمها عائلة الأسد (الوحش سابقاً).

كانت فترة رهيبة عاشها الشعب السوري، سلبت منه حريته وكل حقوقه كشعب ينتمي إلى وطنه سورية، واختزلت سورية الوطن الكبير ذو التاريخ العريق، في عائلة الأسد الضيّقة.

يكفي ذلك أن يكون دافعاً قوياً مستحقاً في انتفاضة الشعب السوري في العام 2011، ومطالبته بإصلاحات سياسية تسمح للشعب السوري المشاركة في بناء وطنه وتقرير مصيره، وهو أمر لم يستوعبه النظام العائلي الذي يعتبر سورية من ممتلكاته الخاصة، التي لا يحق للشعب التدخّل فيها، الأمر الذي دفعه لاستخدام القوة العسكرية في قمع تلك الانتفاضة السلمية، وقتل وتشريد الملايين من الشعب السوري، مستعيناً بروسيا، وبالميليشيات التابعة لإيران. وقد وثقت خلال تلك الفترة عشرات آلاف الانتهاكات التي مارسها النظام في حق الشعب السوري، وقد صدر فيها «قانون قيصر» الأميركي في 2019، الذي يجرّم النظام ويعتبره مسؤولاً عن تلك الانتهاكات، وفرضت عليه عقوبات اقتصادية، وإن كان ذلك لا يكفي، وكان يجب ملاحقته من قبل محكمة جرائم الحرب الدولية، حيث إن جرائمه من قصف بالبراميل المتفجرة الأحياء السكنية، وتجويع المدنيين، بل وخنقهم بغاز السارين المحرّم دولياً، لا تقل عن جرائم الإرهابي نتنياهو التي ارتكبها ولا يزال يرتكبها ضد سكان غزة المحاصرة، والتي كانت سبباً في إدانته كمجرم حرب من قبل المحكمة وإصدار حكمها باعتقاله.

اعتماد النظام السوري على دعم إيران وروسيا في بقائه، هي من الحسابات الغبية التي أدت إلى زواله في الثامن من ديسمبر الجاري، ودفعته للفرار من الأرض السورية التي لفظته، إلى روسيا. فروسيا اليوم منهكة في مستنقع الحرب الأوكرانية التي تستهلك كل إمكاناتها العسكرية، والميليشيات التابعة لإيران وعلى رأسها اللبنانية منهكة، لم تعد، بعد حربها مع الصهاينة قادرة على دعم النظام، الذي بقي وحيداً. وقد كانت فرصة ذهبية انتهزها الثوار السوريون، واستطاعوا في أيام الوصول إلى العاصمة دمشق، والسيطرة على غالبية المدن السورية، بعد فرار قوات النظام التي تعاني من معنويات منهارة، ومعها الميليشيات الإيرانية الداعمة لها.

كانت بهجة الشعب السوري لا توصف، وهي تستقبل الثوار، فقد انزاح عنه شبح الرعب الأسدي، وشعر باستعادة حريته المسلوبة.

كان لتركيا دور كبير في دعم الثوار السوريين وانتصارهم على النظام الأسدي. فقد حاولت تركيا مراراً حلحلة الوضع الراهن المأسوي في سورية، مع رأس النظام بشار بالوسائل السياسية، لإعادة الأمن والاستقرار إلى الشعب السوري وعودة الملايين المهجّرين منهم، حيث تستضيف تركيا أربعة ملايين لاجئ. لكن النظام السوري كان متعنتاً، ورفض التفاوض مع الجانب التركي، وكأنه يريد بقاء الوضع على ما هوعليه، وما يسببه ذلك من أعباء سياسية وأمنية واقتصادية على تركيا.

لم يكن أمام تركيا غير خيار دعم الثوار السوريين. يذكرنا دعم تركيا للثوار السوريين في استعادتهم لبلادهم، وانهاء التدخّل الإيراني في سورية، يذكرنا ذلك، بدعم تركيا لدولة أذربيجان المجاورة لها، في استعادة إقليمها ناغورنو كارباخ من أيدي الاحتلال الأرميني، كان ذلك ضربة معلّم تركية ضد مطامع إيران في أرمينيا.