جُبت تقريبا كل عواصم ومدن العالم المهمة، وقرأت الكثير عنها، وفكرت في الاستقرار في أكثر من بلد، وعرضت علي أكثر من جنسية، وبعد عقود من الزمن، لم أجد مثل الكويت بلدا، وملاذا، ولا حكما ولا عدالة، ولا أقول ذلك مجاملة ولا تزلفا ولا تقربا لأحد، فقد بلغت من العمر ومن الراحة المالية درجة لا تدفعني لأن أقول شيئا لست مقتنعا بصحته. كما لا اقول ذلك لأن الكويت وطني، بل لأن هذه هي الحقيقة، التي أؤمن بها، ومن واقع احتكاكي وتعاملي وتجاربي وقراءتي على مدى سبعين عاما، مع أكثر من سبعين شعبا، فقد أعطت الكويت شعبها كل ما يتمناه الإنسان من وطنه، الكرامة وعزة النفس والحرية والرفاهية، ولم ألتق يوما بأحد لا يمدح الكويت، قيادة ونظاما وشعبا، ويعجب بها ويتمنى لها الخير، ولا حساب هنا للمرضى النفسيين. فقد وقفت حكومات وشعوب خمس دول «عربية شقيقة» ضد قضية تحرير الكويت من نير الاحتلال الصدامي، ومع هذا أعادت قيادتها، بعد تحرير الوطن، لكل مواطني هذه الدولة، الذين كانوا يعملون ويتاجرون في الكويت، واضطروا لتركها بعد الغزو والاحتلال، كل أموالهم وودائعهم وفوائدها، وأسقطت عن شركاتهم أكثر من نصف مديونياتها للمصارف المحلية، ولم تطلب من اي فرد كلمة «شكرا». كما سبق أن فاز أميرها الراحل الشيخ صباح الأحمد بلقب «أمير الإنسانية» لأيادي الكويت الكريمة في كل بقعة في العالم!
كل هذا الإرث العظيم، والفعل الكريم، معرض اليوم للاهتزاز مع الإصرار على رفض، ولو مؤقتا، مراعاة الجوانب الإنسانية لموضوع الكويتيات، ممن أصبحن مواطنات طبقا للمادة الثامنة، وبالذات اللواتي لم يثبت عليهن أي تلاعب أو تزوير أو استغلال للجنسية ولا في الإثراء غير المشروع، أو السكن في الخارج لسنوات طويلة.
لقد دخلنا جميعا، حتى غير المعنيين بالموضوع، في متاهات لها أول وليس لها آخر، وأصبحنا بحاجة لصدور عشرات التشريعات للتعامل مع كل وضع جديد ينتج عن السحب المستمر والمتزايد من جنسيات هذه الفئة، من دون التفات لحالة الخوف والهلع التي أصبحت تعيشها آلاف الأسر، وستعيشها لسنوات قادمة، مع كل ما نتج وينتج من دمار أسري واجتماعي ومادي وأخلاقي.
إن قيادتنا الحكيمة أدرى حتما بما هو في مصلحة الأمة، وكما سبق أن كتبنا، فإننا لا ننازعها في حقها، بل نطالب بتروي الأجهزة المعنية في الأمر، والالتفات أولا للمزورين والمرتشين والمخالفين، والقيام أثناء ذلك، بتشكيل لجان للنظر في ملف كل سيدة حصلت على الجنسية الكويتية، والتيقن من ظروف المنح، ومن ثم اتخاذ القرار المناسب.
منذ ثلاثين عاما، وكل الأطراف المعنية في كل السلطات تعلم علم اليقين بوجود تلاعب رهيب في موضوع الجنسية، ومع هذا لم تتحرك أية جهة لوضع حد لذلك التلاعب، ثم جاء حكم وحكمة الحزم، وتقرر على إثرها فتح هذا الملف الآسن، والتخلص لمرة وإلى الأبد، من هذا الدمل الذي شوه وجه الوطن. إنها فرصة قد لا تتكرر وعلينا التمسك بها حتى الانتهاء من آخر حالة غش وتزوير وتلاعب.
أحمد الصراف
التعليقات