لم يشأ الشيخ محمد الغزالي أن يقول السبب الحقيقي لاعتذار سيد قطب بأن يكتب كلمة عن حسن البنا في مجلة «الدعوة» بمناسبة الذكرى الثالثة لمقتله عام 1952، لأنه لم يكن يريد أن يفصح عن فحوى العلاقة بين مرشد «الإخوان المسلمين» حسن البنا، وبين سيد قطب.

سيد قطب رفض أن يكتب كلمة مديح في حسن البنا، أو بالأحرى، رفض أن يكتب كلمة مديح في حسن البنا لأنه كان يمقته، رغم أنه كان في ذلك الوقت يكتب في مطبوعتين من مطبوعات «الإخوان المسلمين»، هما: مجلة «الدعوة»، ومجلة «المسلمون»، ورغم أن الإخوان المسلمين اقتربوا منه بعد أن قرأوا كتابه «العدالة الاجتماعية في الإسلام»، الذي صدر عام 1949، حين كان لا يزال في بعثته إلى أميركا، فاستجاب لاقترابهم منه بعد عودته من أميركا إلى القاهرة في أواخر شهر أغسطس (آب) عام 1950.

بعد مضي سنوات على كتابة الغزالي تعليقه على بحث محمد أحمد خلف الله «الصحوة الإسلامية في مصر»، وفي محضر نقاش لشریف یونس بتاريخ 21 أكتوبر (تشرين الأول) 1993، وفي محضر نقاش آخر بتاريخ 21 سبتمبر (أيلول) في أثناء إعداده رسالته العلمية «سيد قطب والأصولية الإسلامية» أفضى الأخير للأول بمعلومتين تتعلقان بمجرى العلاقة بين البنا وقطب، حين كان سيد قطب مسؤول تحرير مجلة «الفكر الجديد». هاتان المعلومتان هما: أن سيد قطب رفض نشر رسالة لحسن البنا تشيد باتجاه مجلة «الفكر المعاصر»، ورفض محاولة الغزالي بإقناعه بالانضمام إلى جماعة «الإخوان المسلمين».

رفض سيد قطب نشر رسالته، رغم أن المجلة - كما ينبه شريف يونس إلى ذلك - قد صدرت بتمويل من محمد حلمي المنياوي عضو تنظيم «الإخوان المسلمين».

ولنعرف قدر حرج المنياوي أمام مرشده البنا أشدد على أنه ليس عضواً عادياً، بل هو عضو في مكتب الإرشاد في جماعة «الإخوان المسلمين».

يقول عنه جيه. هيوارث دن، في كتابه «الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة»، إنه أحد ذوي النفوذ من «الإخوان المسلمين». ويقول عنه خالد محمد خالد في كتابه «قصتي مع الحياة»، إنه من الصف الأول من «الإخوان المسلمين».

الشيخ محمد الغزالي في المعلومة الأولى، لم يقل لشريف يونس، لماذا يرفض سيد قطب نشر رسالة إشادة من زعيم ديني سياسي في بلاده بمجلته؟!

سأحاول أن أجيب عن هذا السؤال، ممهداً له بمقدمة طويلة.

مع أن سيد قطب درس في مدرسة دار العلوم وتخرج فيها مثل حسن البنا، فإنهما لم يتزاملا فيها؛ لأن سيد قطب حينما التحق بالدراسة فيها عام 1929، كان حسن البنا قد أنهى دراسته فيها عام 1927.

ومع أنهما لم يتزاملا في مدرسة دار العلوم، فإنهما يظلان ابنَي مدرسة واحدة، درسا وتخرجا فيها في أعوام متقاربة.

حسن البنا في مدرسة دار العلوم كان خامل الذكر مع أنه من صغره حيوي وحركي.

ففي المدرسة الإعدادية في قريته، المحمودية، كان رئيس «جمعية الإخوان الأدبية»، وأنشأ مع مجموعة من زملائه «جمعية منع المحرمات»، وأسس في قريته «الجمعية الحصافية الخيرية»، والحصافية هي طريقة صوفية انتمى إليها في سن مبكرة.

في مدرسة دار العلوم بالقاهرة لم يكن له أي نشاط فيها، فلقد كان نشاطه خارجها، إذ عقد صلات مع بعض الأشخاص من أتباع «الطريقة الحصافية» وبعد حين رأى أن هذه الطريقة غير مجدية في خدمة قضيته؛ قضية أن المسلمين قد ابتعدوا عن دينهم. وفي عامه الدراسي الثاني انضم إلى «جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية»، وهي جمعية يقول زكريا سليمان بيومي إنها تأسست بعد الحرب العالمية الأولى. ويقول عنها ريتشارد ميتشيل في كتابه «الإخوان المسلمون» إنها تعنى بإلقاء محاضرات في موضوعات إسلامية.

ثم ما لبث أن تركها؛ لأنه رأى أن أسلوبها لن يقود إلى تحقيق ما يصبو إليه في مسعاه الديني التغييري.

يقول ريتشارد ميتشيل: «وهكذا انبعثت خطوته التالية من مخاوفه تلك (يقصد بها ميتشيل الفجوة التي بدت - من منظور البنا الطالب في تلك المدرسة - تفصل بين المسلمين وبين العقيدة وتعاليمها)، ومن اقتناعه المتزايد بأن المسجد وحده لا يكفي لنشر العقيدة بين الناس، وبالتالي قام بتنظيم مجموعة من طلبة الأزهر ودار العلوم الراغبين في التدرب على مهمة الوعظ والإرشاد. وبعد مدة وجيزة دخل هؤلاء المساجد واعظين. وأهم من ذلك هو أن طريقتهم قد لاقت نجاحاً فيما بعد».

يقصد بأنها لاقت نجاحاً فيما بعد، حين أسس حسن البنا جماعة «الإخوان المسلمين» في الإسماعيلية، وحين انتقل منها إلى القاهرة.

ويقول أيضاً: «وأخيراً، حمل مخاوفه من هذا الموقف إلى مشايخ الأزهر - وهو عماد الفكر الإسلامي - وانتقد بمرارة معارضتهم غير الفعالة، واستسلامهم الواضح للتيارات التبشيرية والإلحادية».

يختم ميتشيل كلامه بالقول: «أنهى هذا الشاب دراسته بدار العلوم في صيف 1927 وهو في الحادية والعشرين، وسرعان ما واجه احتمال الالتحاق بإحدى البعثات السنوية للدراسة بالخارج، ولكنه لسبب غير معلوم عدل عن ذلك».

والحق أن السبب معلوم، فقد عدل عن ذلك بسبب تزمته الديني. في هامش الصفحة التي نقلت منها كلام ميتشيل، يذكر نقلاً عن مصدرين، أن أعضاء في «الإخوان المسلمين» أثاروا سؤالاً مهماً وهو: ماذا يكون عليه الأمر لو سافر البنا خارج البلاد؟

لا أشك أن هناك أناساً من عام 1948، عام تفجيرات «الإخوان المسلمين» الإرهابية إلى يومنا هذا لو سئلوا هذا السؤال لكانت إجابتهم: ليته سافر؛ لأنه لو سافر لما كان أنشأ جماعة «الإخوان المسلمين».

ومن المعلوم لدى المطلعين على تاريخ مدرسة دار العلوم أن السفر كان لإنجلترا، لأن بعثاتها العلمية في ذلك الوقت كانت لإنجلترا.

البنا بعد أن باشر عمله في مدرسة ابتدائية بالإسماعيلية بتاريخ 19/9/1927، أنشأ جماعة «الإخوان المسلمين» قبل اكتمال عامين على عمله هناك. وللحديث بقية.