ترفض "الجمهوريّة الإسلاميّة" في إيران الاعتراف بحجم هزيمتها السورية الناتجة أصلاً عن جهل بسوريا وشعبها. في المقابل، يحاول الرئيس فلاديمير بوتين تجميل الهزيمة الروسيّة في سوريا. يحاول ذلك عن طريق تأكيد أن بلده "حقق أهدافه" من خلال الدخول طرفاً في الحرب التي شنها النظام، الذي كان على رأسه بشّار الأسد، على شعبه منذ العام 2011. يؤكّد رفض إيران الاعتراف بهزيمتها قول "المرشد الأعلى" علي خامنئي أخيراً: "أنتم أيها الصهاينة لستم منتصرين، بل هُزمتم في سوريا حيث لم يكن جندي واحد يواجهكم بالبندقيّة. تمكنتم من التقدّم بضعة كيلومترات. هذا ليس نصراً. بالطبع إن الشباب السوريين الغيارى والشجعان سيطردونكم من هناك من دون شكّ". يعطي مثل هذا الكلام الصادر عن المرجعيّة العليا في إيران فكرة عن الأزمة العميقة التي تمرّ فيها "الجمهوريّة الإسلاميّة" في ضوء سقوط النظام العلوي في سوريا. إنّه نظام لم تتردّد طهران يوماً، منذ العام 1979، في الرهان عليه من أجل اختراق المنطقة العربيّة والوصول إلى البحر المتوسط وجنوب لبنان. ليس سرّاً أن الدفعة الأولى من رجال "الحرس الثوري" الإيراني عبرت إلى لبنان من سوريا بتسهيلات قدّمها حافظ الأسد. كان ذلك صيف العام 1982 بعيد الاجتياح الإسرائيلي للبنان. دخلت، وقتذاك، عناصر من "الحرس الثوري" الأراضي اللبنانيّة من سوريا وتمركزت، أول ما تمركزت، في ثكنة الشيخ عبدالله التابعة للجيش اللبناني في بعلبك. تمرّ "الجمهوريّة الإسلاميّة" في أزمة عميقة تجعل خامنئي يرفض التساؤل ما الذي حلّ بالاستثمار الإيراني في سوريا ومليارات الدولارات التي صرفت. صرفت المليارات، التي ذهبت من درب الشعب الإيراني، من أجل بقاء بشّار في دمشق. كذلك، كي تبقى الأراضي السوريّة جسراً لتمرير الأسلحة إلى "حزب الله" في لبنان وتهريب أسلحة إلى الأردن ومخدرات عبر الأردن إلى دول الخليج العربي. حصدت إيران ما زرعته. يمكن فهم استثمارها السوري من زاوية وحيدة. تتمثل هذه الزاوية في المشروع التوسعي الإيراني الذي يعني، أول ما يعنيه، تصدير مشاكل إيران إلى خارج حدودها دفاعاً عن النظام القائم. ما ليس مفهوماً بالكامل الانحياز الروسي الكامل للنظام السوري في حربه على شعبه. مثل هذا الانحياز ظهر بوضوح عندما تدخل سلاح الجو الروسي، ابتداء من نهاية أيلول (سبتمبر) 2015 للحؤول دون سقوط النظام السوري. حصل ذلك بناء على طلب إيراني نقله إلى موسكو الراحل قاسم سليماني قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري" وقتذاك. كانت المعارضة السورية في طريقها إلى السيطرة على الساحل السوري، لكنّ سلاح الجو الروسي الذي تمركز في قاعدة حميميم حال دون ذلك. كتبت روسيا حياة جديدة للنظام السوري. أرادت أساساً المحافظة على قاعدة طرطوس البحرية وقاعدة حميميم الجويّة ومنع إقامة خط أنابيب الغاز القطري عبر الأراضي السورية وصولاً إلى الساحل التركي. أرادت عملياً تكريس الوجود الروسي في المياه الدافئة. كانت روسيا في حاجة إلى وجودها في سوريا أكثر من أي وقت. يعود ذلك إلى أن الوجود العسكري الروسي في سوريا مهمّ جداً لتوقف طائرات الشحن التي تنقل ذخائر ومعدات وعناصر بشريّة إلى القواعد الروسية في إفريقيا. يرفض خامنئي الاعتراف بهزيمة إيران في سوريا، كذلك الأمر بالنسبة إلى بوتين. الفارق الوحيد أنّ الرئيس الروسي يمكن أن يجد تعويضاً ما تقدمه له إدارة دونالد ترامب في أوكرانيا. أما "المرشد" الإيراني، فسيكون عليه البحث عما ينسيه فقدان سوريا التي كانت "ساحة"، على غرار ما كان عليه لبنان. من يعوّض إيران على غرار التعويض الأوكراني، عن طريق أميركا، للرئيس الروسي؟
- آخر تحديث :
التعليقات