عالم التجارة عالم متعدد الأفرع والتخصصات مثله مثل العلوم، فنجد موهوباً في الرياضيات قد لا يجيد الأدب ونجد موهوباً في الأدب قد لا يعرف أبسط عمليات الطرح أو الجمع. لذلك يجب على الشباب الراغبين في مزاولة عملٍ تجاري معين أن يعرفوا ما إذا كان هذا العمل أو التخصص يناسب مهاراتهم أم لا. فإن كان يناسب مهاراتهم مضوا فيه وإن لم يكن مناسباً لمهاراتهم ابتعدوا عنه، فمثلاً هناك من يحب التسويق وهناك من يحب العمل في الخدمات، ومن يعشق العمل الميداني عليه أن يعمل في المقاولات، المهم أن تبحث عما يناسب قدراتك.

وفي هذا السياق سأقص عليكم قصتين؛ الأولى قصة عبد الرحمن وهي قصة قديمة، والثانية قصة يوسف وهي قصة حديثة، عبد الرحمن أتى من قريته الوادعة في وسط نجد إلى العاصمة السعودية الرياض وكان ذلك في أوائل اكتشاف النفط.

عبد الرحمن كان يملك مزرعة وكان يُعتبر في ذلك الوقت من الطبقة الوسطى حيث يدير مزرعته ولديه عمّال يعملون بالأجر في هذه المزرعة، ولكنه قرّر أن يأتي إلى الرياض للبحث عن التجارة، وكان ذلك في أواسط الستينات الهجرية أي أواسط الأربعينات الميلادية. يقول عبد الرحمن: وصلت إلى الرياض وكنت أعزب فذهبت إلى مجموعة من شباب بلدتي لأسكن معهم، وحينما وصلت إليهم بادروني: هل تريد عملاً؟ فكان الجواب الطبيعي لي: نعم! فأنا لَمْ آتِ للعاصمة إلا بحثاً عن العمل. فقالوا: غداً فجراً سنذهب إلى العمل.

في الغد ذهب عبد الرحمن ومجموعته إلى العمل فإذا العمل في بناء المنازل الطينية. يقول عبد الرحمن: تفاجأت بهذا العمل الشاق الذي لم أتعود عليه، فأنا - حسب تعابير هذا الزمن - مدير مزرعة وأصبح أخيراً عامل بناء، لم يناسبني ذلك وبعد صلاة الظهر غادرت المكان وفي العصر ذهبت إلى السوق وبدأت أعمل هناك لأصبح بائع أقمشة نسائية وبعمل يناسب مهاراتي، وقد كان هذا عمله حتى وفاته رحمه الله.

أما يوسف فهو من الزمن الحديث وكان يعمل في الأسهم، أي بيع وشراء الأسهم، ولكن للأسف كانت خسائره أكثر من أرباحه، وفي ذلك الوقت كانت التعاملات تتم في صالات البنوك، وذات يوم مرّ على زملائه مودعاً وقائلاً لهم: لم يناسبني هذا العمل وسأذهب للعمل في حقل التطوير العقاري وفعلاً فعل، والعمل في هذا الحقل ناسب قدراته.

كلا الاثنين عبد الرحمن ويوسف ذهبا للأعمال التي تناسب مهاراتهما؛ لذلك نجحا ولو تعرف الشباب على مهاراتهم قبل البدء بالعمل التجاري لنجحوا. ودمتم.