خيرالله خيرالله

عَدوان للبنان شطبتهما أحداث هذه السنة، وهي سنة كل الزلازل وكل الارتدادات التي تسببت بها هذه الزلازل. العدوان هما النظام السوري، الذي سعى منذ ما يزيد على نصف القرن إلى الانتقام من لبنان واللبنانيين، والآخر المشروع التوسعي الإيراني الذي بدأ يتراجع بقوة... لكن بعدما خلف على صعيد المنطقة أضراراً قد يكون إصلاحها بالغ الصعوبة.

كانت 2024 سنة الزلازل في منطقة أُخليت من بشار الأسد الذي كان يحكم سورية. حكم بشار سورية في حدود معينة فرضتها «الجمهورية الإسلامية» أساساً، وروسيا ابتداء من آخر سبتمبر 2015.

عاش لبنان منذ قيام النظام السوري الذي انهار في الثامن من ديسمبر الماضي على وقع ما يرغب به حافظ الأسد ثم بشار الأسد الذي ورث السلطة، من دون أن يرثها كلياً، في العام 2000.

في 2024، أيضاً، أُخليت المنطقة من الدور المهيمن على لبنان الذي مارسه مباشرة لاعب إقليمي اسمه «حزب الله». ما لابد من التذكير به في كل وقت أن الحزب ليس سوى لواء في «الحرس الثوري» الإيراني، ولم يكن غير ذلك في يوم من الأيام.

ما بدأ، على الصعيد الإقليمي، بالزلزال العراقي في 2003، حين سلمت الولايات المتحدة، العراق على «صحن من فضة» إلى إيران، خلف مجموعة من الزلازل التي بقيت صامتة... إلى «طوفان الأقصى» في غزة يوم السابع من أكتوبر 2023. نتجت عن ذلك مجموعة هذه الزلازل، التي افتعلتها إيران التي ذهبت بعيداً في استغلال «طوفان الأقصى».

تعيش المنطقة، بما في ذلك لبنان، في ظل تلك الارتدادات الناجمة عن زلازل شاءت «الجمهورية الإسلامية» القول عبرها لكل من يعنيه الأمر إنها تمتلك مفاتيح الحرب والسلام في الشرق الأوسط والخليج.

أرادت في واقع الحال أن تفرض على الولايات المتحدة عقد صفقة معها، صفقة تكرس دورها الإقليمي المهيمن.

جاءت سلسلة من الزلازل المترددة، بما في ذلك التغيير السوري، لتؤكد فشل المشروع الإيراني الذي كان لبنان جزءاً لا يتجزأ منه من أساسه. أين لبنان من كل ذلك ومن كل هذه التطورات ذات الطابع التاريخي؟

منطقياً، يفترض في لبنان الاستفادة إلى حد كبير من ترددات الزلازل التي نجمت عن تصرفات إيران في مرحلة ما بعد سقوط النظام السوري وقبله الهزيمة التي لحقت بـ«حزب الله».

لا يمكن التغاضي، في أي وقت، أن حافظ الأسد، منذ ما قبل احتكاره السلطة في سورية يوم 16 نوفمبر 1970، كان يعمل على تقويض لبنان.

كان ذلك عندما شغل موقع وزير الدفاع قبل حرب 1967 وبعدها. عمل الأسد الأب، الذي لايزال دوره في تسليم الجولان إلى إسرائيل غامضاً، كل ما يستطيع من أجل إغراق لبنان بالمقاتلين الفلسطينيين تمهيداً ليوم تعطيه الإدارة الأميركية الضوء الأخضر للسيطرة العسكرية على لبنان. حدث ذلك أواخر العام 1975 وفي بداية 1976.

أخيراً، تغيرت سورية. كذلك تغيرت طبيعة الدور الإيراني في لبنان بعد كل ما حل بـ«حزب الله» الذي فقد قدراته السابقة، بما في ذلك قدراته المالية التي سمحت له بتدمير النظام المصرفي اللبناني والحلول مكانه عبر نظام آخر، من بين عناوينه «القرض الحسن».

سيعيش لبنان في ظل سورية جديدة ذات مستقبل مجهول، تعبر عنها زيارة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط لدمشق. لكنها سورية التي تحكمها الأكثرية السنية، للمرة الأولى منذ العام 1966.

سيعيش لبنان أيضاً في ظل تفاهمات أميركية - تركية - إسرائيلية سترسم مستقبل المنطقة. في النهاية، ما كانت تركيا لتتحرك في اتجاه إزاحة بشار الأسد لولا رفع إسرائيل الغطاء عنه، أخيراً.

سيعتمد الكثير على ما إذا كان في لبنان من يستطيع إعادة لملمة ما بقي من مؤسسات الدولة اللبنانية. لا حاجة إلى تأكيد أن نقطة البداية هي في انتخاب رئيس للجمهورية. ليس أي رئيس للجمهورية في طبيعة الحال. الحاجة أكثر من أي وقت لرئيس يدرك حجم الانقلاب الذي وقع في المنطقة، خصوصاً في ضوء التغيير السوري.

ليس سراً أن الطبقة السياسية، في معظمها، لا تعرف شيئاً عما يدور في المنطقة. هناك سياسيون موارنة، من الذين لا معنى لهم ومن ذوي الثقافة السياسية جد المتواضعة، يطرحون نفسهم لرئاسة الجمهورية... أو يجدون من يطرح أسماءهم للوصول إلى قصر بعبدا!

لا تكمن مشكلة لبنان، في الوقت الحاضر، في الغياب السني والتفتت المسيحي، وحال الضياع الشيعية فحسب، بل تكمن أيضاً في غياب طبقة سياسية في مستوى الحدث الإقليمي.

من هنا الحاجة إلى رئيس للجمهورية يعرف المنطقة وما يدور في كل دولة فيها والتوازنات الإقليمية الجديدة... كما يعرف واشنطن وكيف يقيم علاقات من نوع مختلف مع الولايات المتحدة والإدارة الجديدة برئاسة دونالد ترامب.

ليس صحيحاً أنه لم يبق شيء من لبنان. لايزال لبنان يقاوم على الرغم من كل ما قام به النظام السابق في سورية ثم «الجمهورية الإسلامية» من أجل إزالته من الوجود.

يكشف حجم ما تعرض له لبنان تلك المؤامرة التي استهدفت رفيق الحريري في العام 2005، وهي المحاولة الجدية الوحيدة لإعادة الحياة إلى البلد في السنوات الخمسين الأخيرة.

لا يعود صمود لبنان إلى قدرة مجتمعه على المقاومة فقط. يعود صموده إلى حيوية هذا المجتمع وإلى أن ابناءه، من كل الطوائف والمذاهب والمناطق، عرفوا أهمية العلم من جهة وأهمية العمق العربي للبنان من جهة أخرى. هذا العمق العربي، الخليجي تحديداً، الذي عمل النظامان السوري والإيراني على إنهائه!