خالد بن حمد المالك

ما قاله أحمد الشرع عن موقف المملكة الداعم لسوريا تاريخياً، وحتى بعد سقوط وهروب بشار الأسد، كان تأكيداً على متانة العلاقة السعودية مع الشعب السوري الشقيق، وحرص الرياض على أمن واستقرار سوريا، وثبات موقفها من وحدة الأراضي السورية، وإنهاء التجاذبات السياسية التي عانى الشعب السوري منها طويلاً.

* *

كما أن إعلان وزير خارجية الإدارة السورية الجديدة أن أولى زياراته خارج سوريا ستكون للمملكة، وما عبَّر عنه من رغبة في توسيع العلاقات بين دمشق والرياض، وفتح المجال أمام فرص استثمارية بين البلدين، وتعاون في جميع المجالات، يؤكِّد هو الآخر اعتماد سوريا على المملكة في إنجاح الجهود المبذولة لتجاوز معاناة الشعب السوري، والتخلّص من آثار أكثر من نصف قرن من حكم حافظ وبشار الأسد.

* *

ومعلوم أنه منذ اليوم الأول للأحداث التي شهدتها سوريا في العام 2011م، وموقف المملكة كان ثابتاً على مبادئ تمثَّلت في أهمية ضمان أمن سوريا ووحدة أراضيها، بعيداً عن التدخلات الأجنبية، والتأثيرات الخارجية، إيماناً منها بأن سوريا للسوريين، وهم الأحق بإدارة شؤونهم، وتقرير مصيرهم.

* *

كانت سياسة المملكة في تعاملها مع الأحداث في سوريا ترى أن الحوار الداخلي هو الذي سوف يفضي إلى الخروج من الأزمة الطاحنة في كامل منعطفاتها، منحازة في مواقفها إلى الشعب السوري الشقيق، الذي عانى طويلاً من الحرب، وعدم الاسقرار.

* *

ولا يخفى على أي متابع أن المملكة في ظل هذه الأجواء غير المستقرة في سوريا، وأمام حرب لا تفرِّق بين طفل وامرأة ورجل مسن، قد استضافت ثلاثة ملايين سوري كـ(مقيمين لا لاجئين) ووفَّرت لهم متطلبات الحياة الأساسية، من تعليم وعلاج بالمجان، وأتاحت لهم ممارسة العمل، وأعادت دمجهم بالمجتمع.

* *

وخلال سنوات هذه الاستضافة المليونية ولدت أجيال كاملة من السوريين على أرض المملكة، ولم يشعروا يوماً خلال ثلاثة عشر عاماً بأنهم كانوا غرباء في وطنهم الثاني، بل إن المملكة كانت وطنهم الأول، خلال ما كانت تشهده بلادهم من حالة فوضى وعدم استقرار.

* *

هذا غير إطلاق المملكة حملات مساعدات إنسانية لإعانة الشعب السوري عبر الجسور البرية والبحرية والجوية منذ اندلاع الثورة في العام 2011م وحتى بعد نجاحها، حيث كانت المملكة من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية من أوائل الدول التي وقفت مع الشعب السوري الشقيق في محنته.

* *

وضمن مواقفها الإنسانية، قدَّمت المملكة الكثير من المنح والمساعدات الإغاثية والإنسانية إلى النازحين في الداخل وفي دول الجوار، حين كان الصراع المسلح على أشده، وكذلك إلى المتضررين جراء الزلزال المدمر الذي طالت أضراره بعض المحافظات الواقعة شمال سوريا عام 2023م.

* *

لقد تجاوزت القيمة الإجمالية لتلك المساعدات 824 مليون دولار، ما يؤكد حرص المملكة قيادةً وشعباً على دعم الأشقاء في سوريا، ويأتي ذلك ضمن جهود المملكة الإنسانية الاستثنائية الطارئة ليس في سوريا فقط، وإنما في مناطق دولية عديدة، عبر تسيير جسور جوية وأخرى بحرية وقوافل برية، ما جعل المملكة تحتل صدارة دول العالم المانحة والمقدِّمة لأنواع المساعدات الإغاثية والإنسانية إلى 106 دول حول العالم.

* *

ومن المهم أن نشير إلى أن المملكة في جميع أعمالها الإنسانية والإغاثية، لا تفرِّق حين تقدِّم مساعداتها الإنسانية بين المستفيدين، مهما كانت انتماءاتهم الدينية أو العرقية أو الثقافية.