أحمد المغلوث
ذات صباح باكر، وكنا ننام في السطوح في بيت والدي القديم والذي يمتد جداره الخارجي الغربي ببرج سور مدينتنا «المبرز» في زاويته الجنوبية الغربية عندما علت أصوات صياح العشرات من الديكة، وكانت مئات من البيوت المتلاصقة شرق بيتنا بعضها يسكنها مشاهير حرفيو حياكة نسيج الوبر والمشالح، وكانت أصوات الديوك تتواصل بعضها مع بعض في سيمفونية وأنغام صوتية عذبة. عندها سألني أخي عبد العزيز رحمه الله وكان يكبرني بسنتين: هل تعرف لماذا يصيح الديك؟ قلت طبعاً لقد شرح لنا مدرس الدين أن صياح الديكة يعلن موعد صلاة الفجر، وسبحان الله فالديوك تصيح في وقت محدد في كل مكان في العالم، وكنت قد قرأت أن المسلمين في بعض الدول التي تمنع رفع الأذان فيها كانوا يربون في بيوتهم الفراخ وبعض الديكة قبل أن تتوفر لديهم الساعات التي حددوا من خلالها مواعيد أذان الفجر والصلوات الأخرى. تذكرت ذلك وأنا أكتب هذا السطور زيارتي «لتايبيه» عاصمة تايوان عام 1402هـ بهدف استيراد مجموعة من «البراويز» للوحاتي التي قمت باستنساخها وعندما زرت المركز التجاري الكبير في العاصمة وشاهدت عينات كثيرة منها. وأعجبني بعضها فعرض علي مدير التسويق لأحد المصانع أن أشاهد أنواعا مختلفة أخرى لكنها موجودة في مصنع الشركة المنتجة، والذي يقع خارج المدينة فلم أتردد أن وافقت بعدما حفزني أحد الاخوة العرب من ليبيا، والذي جاء لتايبيه لذات الهدف، وتم الاتفاق على موعد زيارة المصنع.
وفي اليوم التالي، جاء مدير التسويق للفندق الذي أقيم فيه وإذا معه الأخ الليبي علي، وكان يجيد اللغة الإنجليزية بطلاقة، بل حتى الإيطالية عكس كاتب السطور فلغته متواضعة في ذلك الوقت، ومع هذا كنت أمشي الحال. فسألت مدير التسويق والتي كانت ترافقه سكرتيرته الحسناء أن يذهب بنا بجولة دخل مركز المدينة قبل التوجه للمصنع من باب الاستطلاع وتوثيق الزيارة، فإذا الأخ علي يرد عليّ لقد طلبت منه ذلك، وأضاف أن حكومتهم من شروط الترخيص لشركاتهم ومصانعهم أن يضعوا برامج سياحية لكل من يزور بلادهم. لذلك يا أخ أحمد تجد فنادقهم دائماً تزدحم بزوارها القادمين من مختلف دول العالم، وفجأة قامت السكرتيرة «شوا» وهي تتحدث بلغة عربية اسمحوا لي أن أعلق أننا في تايوان نفخر ونعتز بزوارنا ونضع لهم برنامجاً ترحيباً يتيح لهم اكتشاف بلادنا والاطلاع المباشر على ما تتميز به من تاريخ وفنون ومنتجات في مختلف المجالات ألم تصلكم من تحب باب غرفكم العديد من الكتالوجات والبوسترات التعريفية هذه مهمتنا. عندها قاطعتها وأنا أردد اسمحي لي: نعم وصلتني. فرد علي وأنا كذلك.. فردت شوا حسنا هذه مهمة بلادنا أن نقدم خدمات لجميع من يزورنا، وصلنا لمركز المدينة وبدأنا في زيارة الأسواق والتي تميزت عماراتها بأروقتها التي تقع على الشوارع وأمامها بسطات على عربات تباع عليها مختلف البضائع، وبعد ساعات من الجولات والتمشية انطلقنا إلى موقع المصنع، وكان الوقت بات عصراً وخلال جلوسنا لنحتسي الشاي وبعض الحلويات إذا بنا نسمع صياح الديكة، وكم شعرنا أنا والأخ علي بسعادة كبرى ونحن نستمع لهذا الصياح المحبب للديكة وزقزقة العصافير، وازدادت سعادتنا بخروج اثنين من عمال المصنع متجهين لشجرة ضخمة ومفروشة بنوع من الحصير وعليها سجادة كبيرة، وإذا أحدهم يدعونا للصلاة بلهجة عربية لا بأس بها.
هذا وحسب ما نشر في العديد من الدراسات البحثية والمراقبة لعالم الديوك اكتشفوا انهم يمتازون بحاسية فطرية ومرهفة للضوء الخافت بل سبحان الله تعودوا الصياح في أوقات الصلاة.. إضافة أن الصياح «الديكي» يشكل حلقة اتصال بينهم وبين الفراخ وحتى الطيور الأخرى.
التعليقات