أحمد برقاوي

اللحية ظاهرة بيولوجية تنمو في سن البلوغ وأمرها معروف، وضعها في الغالب شأن فردي، وشأن اجتماعي لما لها من علاقة مع العادات والتقاليد. وهي ظاهرة حاضرة عند جميع الشعوب بلا استثناء.

وهي ظاهرة قديمة جداً، فجميع التماثيل القديمة للقادة والملوك ذات لحى، لأنها علامة من علامات الرجولة، وحتى تماثيل الفلاسفة اليونانيين والشعراء هي كذلك، وقس على ذلك تصور المبدعين والقادة العرب وغيرهم. وكان الاسكندر المقدوني أول من استن حلاقة اللحية لأسباب جمالية وعملية.

ومع الأيام شهدت المجتمعات طقوساً متعددة من حلاقة اللحية وإرخائها.

فعلى المستوى الفردي فإن إرخاء اللحى شأن جمالي، يجري التحكم بشكلها كما يريد الفرد.

والمتأمل للصور الفوتوغرافية للفلاسفة والعلماء والأدباء كماركس وانجلز وداروين وتولوستوي وباشلار الخ، سيجد بأنهم قد أرخوا لحاهم، دون التزام بمرجع آمر.

كما نجد صوراً فوتوغرافية كثيرة لمن هندسوا لحاهم لتأخذ طابعاً جمالياً يليق بالوجه، وبخاصة عند الشباب المعاصر. أما إرخاء اللحى بوصفه جزءاً من عادات الشعوب فحدث ولا حرج.

وهناك تقاليد صبغ اللحية بالحنة عند العرب اليمانيين بشكل خاص.

وتُحلق اللحى عند الأغلبية الآن في المجتمعات كلها.

وسائل يسأل: ما الذي حملنا على أن نكتب عن اللحية؟ ونجيب: إن كل ما سبق من قولنا ليس ذا أهمية، وغالباً لا يشغل أحداً. لكن أريد الحديث عن اللحية بوصفها معبرة عن الهوية والأيديولوجيا.

فرجال الدين اليهودي والمسيحي والإسلامي يرتدون لباساً خاصاً ويرخون لحاهم ويعتمرون لفّات أو قبعات دالة على مهنتهم. واللحية جزء لا يتجزأ من شكلهم، فضلاً عن أن اللحى «موضة» شائعة، كما قلنا في كل أنحاء العالم.

لقد صارت اللحية مرتبطة بزي رجال الدين المتكامل الذي أشرت إليه.

غير أنه بعد ظهور الميليشيات الشيعية والسنية في سوريا والعراق واليمن ومصر وبلدان أخرى، صارت اللحية من العلائم المميزة لهذه الميليشيات، وشارات انتماء أيديولوجي عنفي.

أجل مع ظهور بن لادن وحسن نصر الله والحوثي والسليماني والبغدادي تحولت اللحى إلى رمز انتماء للأصولية العنفية، وصارت مصدراً من مصادر الرعب المنفر لارتباطها بالعنف.

ولأول مرة ترتبط الأيديولوجيا بالهيئة الخارجية، فلم يكن يُعرف الناصري والبعثي والسوري القومي وسواهم من أصحاب الأيديولوجيات بإشارات جسدية تدل عليهم.

وحين شاءت الظروف وتولت الحركات الأصولية السلطة صارت اللحية شارة لجميع أفراد السلط الأصولية الحاكمة.

وانعكس هذا على علاقاتهم بالآخرين وهذا هو وجه الخطورة، فالآخر الذي لا لحية له هو في أحسن الأحوال غير منتم إليهم، وهذا ما يولد نوعاً من عدم الرضا. فضلاً عن تحديد العلاقة مباشرة بالمرأة وزيها. وهكذا صارت اللحية ليست أداة تمايز فقط، بل وأداة سلطوية.

وتبقى أزياء رجال الدين وأزياء الجيش والشرطة مظاهر مرتبطة بالمهنة ولا تثير أي إحساس غير طبيعي، كما أن الأزياء الشعبية لدى الرجال والنساء ذات طبيعة جمالية مرتبطة بالعادات والتقاليد المعترف بها.

وليس هذا فحسب، بل إن الأزياء الشعبية صارت جزءاً من الفلكلور المعبر عن الانتماء الوطني، والتي تظهر في الاحتفالات الوطنية والمناسبات الشعبية.

وبعد فإن كل شكل ذي ارتباط بالأيديولوجيا شكل منفر ولا شك، إنه حاجز.