في راس السنة .. لا تشرق الشمس من الجنوب أو الشمال أو الغرب، ولا تغيب في الشرق أو الشمال أو الجنوب، فكل شيء يسير كما العادة وفقا لنواميس الكون، والدقائق والساعات كما هي لا تتغير ولا تتبدل، فلا يبقى في الأمر من جديد سوى الشحنة المعنوية التي تعنيها هذه المناسبة .
هو عرس عالمي عملاق، يحتفي به الناس في أدنى المعمورة وأقصاها، ليمثل أكبر احتفالية تتوحد فيها المشاعر على مستوى الكرة الأرضية .
لن نبحث في دعاوى التغريب أو التبرير الديني للاحتفاء ونقيضه، فالحقيقة أن الناس يحتفلون رغم تعدد معتقداتهم وتباينها، وواضح أن بواعث الاحتفال تأخذ منحى شخصيا لدى كل فرد، فيطرب الجميع، وكل منهم يغني على ليلاه !
صويحبكم مثل الجميع له دوافعه الخاصة للاهتمام بالمناسبة، فاحتفائيتي مرتبطة بعام مالي انقضى دون أن أصبح فيه مليونيرا، وعام قادم قد يحمل لي الثراء الذي ظل في خصام معي دون جناية اقترفتها يدى !!
والواقع أن كثيرين يرون البعد المادي في رأس السنة، فميزانيات الدول والشركات وقطاعات المال والأعمال كلها مرتبطة بالتقويم الميلادي، والتوظيف والتسريح والمشاريع والعلاوات والإجازات وغيرها ترتبط بشكل أو بآخر بالتقويم، لذلك فلن يبقى أحد إلا وله بعض دوافعه في الاهتمام بالمناسبة والاحتفاء بأمل قد تحمله السنة الجديدة !
ومن عجائب الحياة، ولا سيما المعاصرة، أن الفرح لا يأتي إلا إذا صنعناه، فالمصائب تفجعنا مهما كانت حصوننا، لكن الأفراح تحتاج دائما أن نصنعها، فنفلت بها من يد المعاناة الماسكة بخناقنا على اختلاف أشكالها وتعدد أنواعها .
هكذا اتسعت رقعة البشرية المهتمة برأس السنة، وهكذا أصبح أي عام جديد حفلا إنسانيا مفعما بالأمل في القادم، بعد أفول عام مضى لن يجد من يقيم له سرادق عزاء !
إذن هي احتفالية بالأمل . الأمل في مكاسب تحدث، أو عافية تعود، أو مظلمة تنقشع، أو أمنية تتحقق، أو معاناة تغادر .
الأمل بسلام يعم أركان المعمورة، فلا صراعات أيدلوجية مهلكة، ولا احترابات إثنية ثمرتها آلام وخسارات على الجميع .
الأمل بازدهار يحل محل الخراب، وابتسامة تحل محل الدمعة، وأمان يحل محل الفزع، ورخاء يحل محل الفاقة والاحتياج .
الأمل بالتئام الشمل بعد فراق، وازدهار الحب في حقول الكراهية، واتساع بساتين الطمأنينة بدل التوجس، وانتشار التعاون وتبادل المنافع عوضا عن التطاحن .
الأمل بأن يكون الإنفاق لأجل إسعاد البشر .. لا لأجل تكديس السلاح والتنادي للحروب، والأمل بأن يمد العالم الغني يد العون الحقيقي لا العون (الملغوم) للعالم الفقير، لكي يعيش فقراء الأدغال والمناطق القاحلة، وينعموا بالدواء والمرحاض والماء غير الملوث والتدريب والتعليم .
هي احتفائية بالأمل .. بعيدا عن التآمر على الفرح من الساعين لمصادرته، فلا أجندة مشبوهة، ولا ثقوب لتسريب المرارات في أنهار العذوبة .
أمنيات للجميع بعالم أفضل في العام الجديد، وبإحساس بشري يتجاوز جراحات الأمس وعلقمها، وبعدالة يرتضيها الجميع ويتفيأ ظلالها البشر على اختلاف أشكالهم وألوانهم وقناعاتهم ومعتقداتهم .
بهذه الأرضية يجتمع البشر احتفالا بعام جديد، والأمل لا ينقطع بقبس الضياء في متاهات الوعورة والعتمة .
التعليقات