في برنامج جلسة علم التي بثتها قناة القاهرة والناس , جمعت في حوار ساخن بين إثنين من عمالقة " تجديد الفكر الديني والوقوف على المسائل الخلافية في التراث الإسلامي" بإدارة مقدم البرنامج الأستاذ عمرو اديب قبل أيام قليلة .
المتزن والذي يحظى بإحترام كبير وشعبية مماثلة من الشارع المصري أستاذ علم الفقه المقارن بجامعة الأزهر الدكتور سعد الدين الهلالي. والدكتور المثير للجدل في الشارع المصري إسلام البحيري الخارج لتوه من السجن بعد قضاء ما ’يقارب 10 أشهر من العقوبة بسبب قيام الأزهر بتقديم بلاغ ضده يعترض فيه على برنامجه و’يطالب بوقفه.. لأنه ومن وجهة نظره إعتبر أن ما يبثه أفكار شاذه.. تمس ثوابت الدين.. وتنال من تراث الأئمة المجتهدين المتفق عليهم.. و’تعكّر السلم الوطني و’تثير الفتن... وأن هذا البلاغ يأتي إنطلاقا من مسؤولي’ الأزهر الشرعية والدستورية الممنوحة له بحكم الدستور . وبالتالي وتحت تهمة إزدراء الأديان التي إخترعها علماؤه, عوقب الدكتور البحيري بالسجن لمدة سنة , ولكن خروجه قبل المدة المحددة كان بعفو عام من رئيس الجمهورية الذي لا يزال ينادي بتجديد الفكر الديني ؟؟
الحوار إضافة إلى إثراء المواطن المصري بالمعلومة الصحيحة, لهدف مصري نبيل واحد وهو الصالح العام وللخروج من التطرف الديني الذي يهدم مصر شبرا شبرا .. التطرف الذي قتل الروح والضمير ويقضى على الإقتصاد سواء في التجارة او السياحة . ثم والأهم الفتنة الملتهبة التي تهدد بالإنعزال عن العالم والتي أعاد إشعال لهيبها محمود شفيق الإرهابي الذي لم يزد عمره عن الواحدة والعشرين .وقام بتفجير نفسه في الكنيسة البطرسية بتاريخ 11-12-2016 ؟؟؟؟
على مدى ما ’يقارب الساعتين طرح كل منهما وجهة نظره والطريقة التي يراها مناسبة لتجديد الخطاب الديني حقنا لدماء المصريين بلا إستثناء سواء المسلم أم المسيحي أم الغير معتقد . ولعودة مصر إلى مكانتها اللائقة بين دول العالم كمهد أحد أهم وأعرق الحضارات في العالم .
برأيي المتواضع برغم أن الدكتور الهلالي حسم الحوار بطريقة ديبلوماسية يتقبلها الشارع المصري منه بالذات , في البداية حين حلل وفسر كيف أن القرآن الكريم كتاب هدايةوإرشاد وليس دستورا .. بحيث ومن وجهة نظري, أعتقد أنه أكد ضمنيا حق الإنسان المصري فيدستور وضعي وديمقراطية, على أن يستعمل العقل لمنفعته وللصالح العام في كل خياراته. مخالفا بذلك دعوة الإسلاميين والمسلمين أجمعهم, بأن القرآن الكريم دستور دولة. وبهذا حافظ على ’قدسية القرآن الكريم ونزع عنهبلباقة فكرة صلاحيته للسياسة وشئون الحكم والقضاء ولكل زمان ومكان . مما أكد للمشاهد ضمنيا أهمية فصل الدين عن الدولة, خاصة وحين أكد مرارا بأن دور القرآن الكريم في حياة الشعب يقتصر على الهداية والإرشاد .. وأن المسلم له منتهى الحرية في الخيار والإختيار بما يتناسب مع منفعته بعد إستفتاء قلبه فقط وأن الأئمة الأربعة قاموا بواجبهم البحثي وإعتقدوا بأن إستنباطاتهم لمنفعة الناس ولكنهم تركوا الخيار للفرد وليس إلزامه بإتباع آرائهم أو ما أجمعوا عليه ؟؟؟؟
بالمقابل وبنبل الهدف الواحد والمصلحة المشتركة .. ولكن بحماس الشباب وثقافته الواسعة وعلمه في اصول الفقه والحديث, أصر وركّز الدكتور البحيريعلى قدسية القرآن الكريم ولكنه وبناء على الآيات الموجودة, أكد أن هناك فرائض وحدود وليس فقط كتاب هداية وإرشاد .. وأن تفسيرات وتأويلات الفقهاء الأربعة ( الحنبلي – الشافعي – المالكي – والحنفي ) وإجماعهم في أمور كثيرة وما جاء في البخاري من أحاديث مغلوطة أساءت للدين و لروح الدين .. وأدخلت المواطن الإنسان البسيط في متاهة من التأويلات والتفسيرات. وأثبت من خلال الآيات تناقض إجماعاتهم في الكثير من الأمور وأنهم أعلوها في مواضع معينه عن المقصد الإلهي ..والذي وبناء على تفسيراتهم وتأويلاتهم الفقهية المغلوطة جاءت أفكار إبن تيمية في منتهى القسوة فمثلا وتحت إجماع ثلاثة منهم قرروا أن لا عقاب لقاتل الذمي .. إضافة إلى تشويه البخاري لرسالة الرسول. وأن الحديث المذكور في كتاب البخاري "لا ’يقتل مسلم بكافر " وعدم تكافؤ دماء المسلمين مع الآخرين .يتناقض مع الآيات ويتناقض مع ما ’عرف عن النبي . لأننا وإذا كنا سنعتبر كل ما أجمعوا عليه وأحاديث النبي صحيحا فإن ما فعله الإرهابي محمود شفيق صحيح. ولا يجوز محاكمته او قتله لأنه إنما عمل بإجماع الفقهاء وأطاع الرسول بقتل الكافر . ( مع المعذرة مني لجميع معتنقي الأديان الأخرى ) التركيز على هذه التفسيرات والمجمع عليه منها هي التي أوصلت الإنسان المصري المسلم إلى البلبلة الفكرية والجهل والتجهيل التام .. وحملت رسالة مغلوطة بأنه من حق المسلم قتل الكافر الغير مؤمن ؟؟؟ وأن ما ما فعله الإرهابي محمود شفيق قابل للتفسير بطريقتين مختلفتين تماما أحدهما ’تبرر وتعطية الرخصة للقيام بعملة هذا, والأخرى ’تجرمه ولكنه وفي كلتا الحالتين قد يبقى شهيدا في نظر الغالبية الشعبية المسلمه, إن أبقينا على تفسيرات الفقهاء و كتاب صحيح البخاري. وأصر على أن بداية التجديد تحتاج إلى وقفة مع النفس .. للإعتراف الصريح بخطأ وخطيئة هؤلاء الفقهاء. ثم بناء التجديد الفكري مستندين إلى العقل وما يتناسب مع المنفعة الوطنية والشخصية للإنسان المصري ... ولكنه وبالرغم من إدانة الأزهر لتفجير الكنيسة القبطية , إلا أن تدريسة لمواد الفقه للفقهاء الأربعة يلغي هذه الإدانة من عقل المسلم ويدخله في تناقضات فكرية قد ’تبيح وتحلل عملية القتل . وأن الطريق الوحيد لحقن دماء المصريين كلهم المسلم والمسيحي وأصحاب الديانات الأخرى إضافة إلى تخطئة أفكار الفقهاء الأربعة .. والخروج من كتاب البخاري منع تدريس هذه المواد الفقهية في الأزهر. حيث أثبت مرة أخرى خطؤهم في أمر هام آخر وهو إجماعهم على زواج الصغيرة دون الحيض وبإذن من وليها . ..والذي يتناقض كليا مع القرآن الكريم الذي يؤكد على "فإن أنستم منهم رشدا "" .
المشكلة أن دفاع الدكتور الهلالي عن الفقهاء الأربعة مؤكدا بأنهم قدموا إستنباطاتهم من خلال آرائهم لمنفعة الناس وليس فرض رؤيتهم وإنما المفروض على الإنسان إختيار ما يتناسب مع منفعته من خلال إستفتاء قلبه وبالتالي فالحكم للناس في خياراتهم وليس للفقيه, غطى على فكرته الأصلية والمتينة بحيث بات دفاعه عنهم كمن يرفض الإعتراف بخطأ ما فعلوا و’يبقي الباب مفتوحا للتفسير والتأويل ؟؟
السؤال هنا لماذا أصر الدكتور الهلالي وأضاع الكثير من الوقت الثمين بالدفاع عن فقهاء من القرون الغابرة أضروا بالإسلام والمسلمين على مدى قرون بينما هو يعلم بأن أول خطوة للخروج من ظلام الفكر هي نقد هذا الفكر الظلامي ونقد الماضي, والتمهيد للتخلص منه .. لبناء الأرضية الصلبة للتجديد بأفكار مستقبلية تقوم على وضوح الرؤية لما نريد ان نصل إليه..
ثم .. إذا كان الحكم للناس ولمنفعتهم . لماذا لا يزال الأزهر ’يدرّس فقه المرأة .. وفقه الذمي . وفقه الولاء والبراء . وفقه الجهاد بما في كل منهم من تناقض وتعارض مع العقل والمنطق وبما فيه من ترويج مباشر لدونية المرأة .. وحرمان المواطن من الدين الاخر حقه في المواطنة والتحريض لكراهية المختلف .. وإجبار الجميع على إعتناق الإسلام وأن عدم الإعتناق سيجعله هدفا للقتل من خلال فقه الجهاد مهما حاولنا التبرير ؟؟؟؟ إذا كان الهدف المشترك هو إعادة اللحمه بين المواطنين والسلم الإجتماعي من خلال المواطنة والسلام مع العالم من حولنا ؟؟؟
إضافة إلى أن إعطاء الخيار لرجل الشارع بدون إعطائه حرية التفكير والحق في هذه الحرية الفكرية (تماما كما فعل الأزهر بالدكتور البحيري وسجنه ) , سيقتل روح الإبداع في الفكر وسيخلق فوضى مجتمعية بين من يؤمن بفكر الشافعي - الحنبلي - المالكي والحنفي مما يترك الباب مفتوحا لخيار قتل الذمي أو عدمه مما سيضعف دور القضاء حين التبرير ؟؟
برغم تخلي البحيري عن هدوئه في منتصف النقاش .. إلا أنه أثبت بما لا يدع مجالا للشك غيرته على دينه وعلى إبن وطنه بغض النظر عن الإختلاف العقائدي .. وبيّن حرصه التام على مستقبل وطن من حق المسيحي صاحب البلد الأصلي الحياة كريما ومتساويا أمام القانون والفرص من منطلق تساوي الحقوق الإنسانية كلها وتساوي الدماء .. وأن فكره هذا ’يمثل قمة الثورة الدينية لإصلاح الفكر الديني والإبتعاد عن التطرف وصلاح المجتمع , أسرع من وصفة الدكتور الهلالي .. الذي أكن له الكثير من الإحترام ولكن غطى عمق ولائه الأزهري على تخطي عدم الإعتراف بخطأ الفقهاء .. ربما لأنه إمتثل لحقهم في الأجر لأنهم حاولوا وإن أخطأوا ؟؟؟
ولكن وفي كل الأحوال وبرغم إختلاف الأسلوب أثرتني المناظرة من عمالقة الفكر الديني لهدف واحد .. وأتمنى إستمرار القناة بدعوة الرجلين مرات ومرات لإعادة تشكيل الفكر المصري –العربي بإبداع فكري جديد يعمل على تنوير القلوب والضمائر.. وإشراك كلا الرجلين بإعادة بحث موضوع كتاب هداية وإرشاد لإخراج القرآن الكريم من فكرة أنه دستور دولة .. لأننا أحوج من أي وقت مضى لثورة دينية تلتزم بخطاب قيمي .. تعيد تفسير النصوص بناء على القيم الإنسانية المشتركة بيننا وبين العالم من حولنا .. وتتوافق مع العدالة ومواثيق حقوق الإنسان الذي كرّمه الخالق في كل مكان وزمان ..
أحلام أكرم
التعليقات