من المتعارف عليه أنه ما من منظمةٍ أو جمعية أو حزبٍ نشأ إلا وكان له أهداف نبيلة يناضل من أجل تحقيقها، ولم نسمع عن حزبٍ صرّح يوماً بأنه تأسس لكي يضلل الرعية،أو لكي يعمل على تشويه وعي الناس، فحتى أخطر منظمة مصنفة ضمن قائمة المنظمات الإرهابية في العالم قد يُلاحظ المرء في برامجها ماهو غير مستحقر، إذ غالباً ما تكون غاية منظومة سياسية أو اجتماعية أو ثقافية هيالسعي لنهضة المجتمع الذي تستهدفه، تمثله، تنوي إحداث التغيير المحمود فيه، ومن ثم العمل على تحقيق مبادئها السامية وبث الحيوية في أوصال ذلك المجتمع، والأخذ به الى غدٍ أرحب وأشرق وأقوى وأجمل، وتنظيم حركة المجتمع للتقدم به وإيصاله إما إلى الاستقلال أو التحرير أو الرفاه الاجتماعي وذلك وفقاً للظروف التي نشأ فيها الحزب، ولكن الغريب أن الكثير من الأحزاب والمنظمات تعمل بخلاف كل المبادئ والقيم التي تأسست عليها أوقامت لأجلها، بل وضللت المواطنين شر ضلال، وعملت لسنواتٍ طوال على استغباء الناس واستغلالهم ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.
كما أن بعض الأحزاب والتنظيمات حتى وإن لم تكن لتنوي ضياع المجتمع، إلا أن التناقض في خطاب بعضهاوالتضاد اليومي في ممارساتها العملية تقود تلقائيا الناس الى التشويش وعدم القدرة على فهم استراتيجية التنظيم المذكور، وهو ما عمل عليه حزب الاتحاد الديمقراطي منذ بدء الثورة السورية، حيث استخدم خطابين متعاكسين أحدهما خاص بالرعية، والثاني خاص بالقيادة وهو بخلاف الخطاب الموجه للعامة، إذ أن معظم مؤيدي الحزب صوِّر لهم على أنهم معارضة وأنهم يعملون ضد النظام، بينما الحقيقة هي بخلاف ذلك، باعتبار أن مايسترو نظام الملاليفي طهران هو مَن يحرك القادة في قنديل ودمشق، وهذا الالتباس لا يزال مستمراً لدى عامة جمهور هذا الحزب العقائدي، مع أنه كان من الممكن أن يكون أكثر احتراماً للذات والآخر لو كان ذا موقف واضح من النظام والمعارضة، إنما وإمعاناً في التيه حاول التنظيم المذكور ركوب عربيتين بآن واحد، ظاناً بأنه بهلوان حقيقي في عالم السياسة، ووضع كل رِجل له في عربة وكل ظن قيادته أن العربتين ستسيران جنباً الى جنب إلى ما لانهاية ولن تلتقيا أبداً، وربما لم يخطر على بال دهاقنة التنظيم ماذا لو انحرفت عربة ما؟ أو خرجت إحداهن عن السكة؟
وبناءً على اللاوضوح في الرؤية والاستراتيجيا والأهداف بقي الغموض هو سيد الموقف بالنسبة للمؤيد، وكأننا أمام قصائد شعرية مبهمة، وليس أمام تنظيم يفدي بدماء المئات من الشباب لغايات غير معلومة لمعظم الناس، ومن بعضالتشويه المتعمد للحقائق والتضليل الصارخ ما صدر مؤخراًعن هيئة الدفاع التابعة للإدارة الذاتية التي قالت في بيانها الصادر منذ أيام والذي جاء فيه بأن "الطائرات التي قصفت تل علو انطلقت من قواعد عسكرية في إقليم كوردستان وعادت إليها مجدداً بعد القصف"، محملةً بذلك حكومة الإقليم الجزء الأكبر من هذا الاعتداء، ولغرابة ولامعقولية ذلك الاتهام السخيف جاء رد المتحدث الرسمي بإسم حكومة إقليم كوردستان، سفين دزيي، يوم الأربعاءمتهكماً بعض الشيء حيث قال دزيي "اننا في حكومة إقليم كوردستان، نرفض هذه الاتهامات جملة وتفصيلا، وما جاء في البيان هو بصراحة مبعث للسخرية، وان دل على شيء فإنه يدل على مرض كاتبه، ويبدو أن جماعة ما يسمى بكانتون الجزيرة قد شاهدوا ذلك في حلمهم، مستطرداً بأنهم يعانون من الإضطراب".
لذا يبدو جلياً لمن يتابع أحداث وتطورات المنطقة عسكرياً وسياسياً، معرفة أن هذا الاتهام جاء للتخفيف من توجيه الاتهامات لتركيا التي ترفض الاعتراف بالادارة الذاتية جملةً وتفصيلا، وما اتهام حكومة الاقليم إلا كمحاولة لكسب ود تركيا على حساب الاقليم الذي لا يخشى الاتحاد الديمقراطي عداوته، بخلاف تركيا التي ربما بمقدورها فعل أي شي بالاتحاد الديمقراطي من غير أن يرف لها جفن، بعكس الاقليم الشقيق الذي سيتحمل من كل بد غلاظة ووقاحة واعتداءات الشقيق الغر والطائش، وإمعاناً في التودد الى تركيا أصدرت القيادة العامة لقوات سوريا الديمقراطية التي تشكل وحدات الحماية الشعبية عمودها الفقري بياناً جاء فيه "نحن الفصائل السورية من أكراد وعرب وتركمان وآشوريين تحت مظلة قوات سوريا الديمقراطية، نؤكد بأن قوتنا ليست جزءًا من حزب العمال الكردستاني ونعتبر أنفسنا جزءًا من الدولة السورية والأرض السورية"، فالجماعة تبرؤوا من العمال الكردستاني لقاء التقرب من تركيا، وفوقها وزيادة في التشويش حوروا الأحداث والوقائع واتهموا اقليم كردستان بشأن ضرب مواقعهم، علماً أن نشطاء المنطقة وشهود العيان أكدوا بأن طائرات يعتقد بأنها تركية اخترقت أجواء روج آفا في الثالث من كانون الثاني الجاري من جهة بلدة تل كوجر على الحدود السورية العراقية، وقصفت عدة أماكن في محيط قرية تل علو بريف بلدة جل آغا في مقاطعة الجزيرة، وعادت ودخلت إلى عمق الأراضي التركية.
فواضحٌ بأن البيان الصادر عن قوات سوريا الديمقراطية جاء ليؤكد بأن الجهة التي أصدرته لا تزال مستمرة بنهجها التضليلي وتتعمد تشويه وعي الناس، ولا تزال تستخف بعقول البسطاء وتستغبيهم، وبخصوص الاكتشاف المذهل للإدرارة الذاتية المتعلق بالطائرة التي قصفت محيط تل علو في كانتون الجزيرة، كتب المحامي عماد موسى مستهتراً بفهلوية جهابذة الادارة الذاتية وهو يقول:"الجماعة لم يكتشفوا كيف دخلت شاحنة كبيرة مليئة بالمتفجرات عبر حواجزهم إلي وسط قامشلو ودمرت وقتلتالعشرات من المدنيين، و لم يكتشفوا السيارةالبيضاء(الفان) التي كانت كل حين تتجول في شوارع روج افا إما تقتل، أو تحرق أو تخطف، لم يكتشفوا من حرق إذاعة آرتا اف ام، لم يكتشفوا من يقوم بحرق مكاتب الاحزاب، لم يكتشفوا من حرق العلم الكردي، لم يكتشفوامن قتل مشعل تمو، لم يكتشفوا من قتل عيسى حسو، لم يكتشفوا من خطف بهزاد دورسن وأمير حامد وغيرهم الكثير الكثير، لم يكتشفوا من خطف الضباط الكرد الثمانية، لم يكتشفوا من أطلق النار على أهل عامودا وقتل سبعة أشخاص منهم، لم يكتشفوا من خطف السياسين الكرد وقام بنفيهم خارج الحدود، لم يكتشفوا من هجر الكرد من ديارهم ، لم يكتشفوا من جعل حياة الناس قهرا اقتصاديا، لم ولم ولم ولم ولم، لكنهم في غضون ساعاتاكتشفوا الطائرة التي ضربت تل علو وقالوا بأنها انطلقت من اقليم كردستان العراق وعادت إليه، بكونهم يملكون أقماراً اصطناعية، رادرات وأجهزة حديثة أخرى لا تمتلكها دول المنطقة" من يدري ربما يكون شارلوك هولمز نهض من قبره وجاء يعمل خبيراً استشارياً في كانتون الرفيق آلدار خليل! ويبدو أن المحقق الجنائي العالمي ومحلل الشفرات قد طوَّر بعلم الأدلة الجنائية أكثر مما كانت عليه قصص أفلام هولمز، مع أن هولمز كان يظهر بشكل دائم في الوسائط الإعلامية المختلفة مرتدياً قبعة صائد الأيائل وعباءته، وهو يدخن غليونه ويمسك بعدسةٍ مكبرة، بينما غابت ملامح هولمز كانتون الجزيرة عن وسائل إعلام حزب الاتحاد الديمقراطي وغاب محيا صائد الأيائل بشخصه الماهر والحاذق وظهرت فقط نتائج تحرياته!
وبما أن حزب الاتحاد الديمقراطي هو الرافد السوري لحزب العمال الكردستاني الأم، لذا يبدو واضحاً من خلال متابعة أنشطة الفرع السوري أنه لم يشذ عما هو عليه التنظيم الأم، إذ من القصص المضحكة المبكية لحزب العمال الكردستاني أورد الصحفي حسين جلبي حكاية مؤلمة جاءت في سياق كتاب الفنان الكاريكاتوري يحيى سلو "لغة الجبل" وكيف أن حزب العمال الكُردستاني ألقىالقبض يوماً على ثلاثة من عناصره، وهم من كُرد سوريا بتهمة التجسس لصالح المخابرات السورية، مندهشاً بأن أحداً من الموجودين هناك في قنديل لم يسأل نفسه: ياترى ما هي حاجة المخابرات السورية لإرسال ثلاثة أكراد للتجسس على حزبنا في هذه الجبال النائية، بينما قيادة الحزب، واوجلان نفسه موجودون في أحضان المخابرات السورية نفسها في دمشق؟ مستدركاً على لسان صاحب الكتاب بأنه يعتقد بأن التهمة الحقيقية هي أن هؤلاء الثلاثة كانوا مثقفين، وقد خشي الحزب منهم لذا قام بإعدامهم، ليعلن بعد سنوات عن استشهادهم في مواجهة بطولية مع الجيش التركي.
وباعتبار أن حزب الاتحاد الديمقراطي يوحي للوهلة الأولى بأن له خلفية اشتراكية، وأنه ضد الامبريالية العالمية وفق شعاراته الفضفاضة، إلا أنها اشتراكية محورة بحق، ولا أثر للقيم التي تحدث عنها ماركس وحض عليها في برنامجه، الممثل برفض استغلال الإنسان للإنسان بجميع أشكاله، حيث كان جوهر الماركسية، بينما العكس تماماً هنا، فالاستغلال حاضر بكل صوره وأشكاله لدى الاتحاد الديمقراطي، وهو هنا أشبه بما هو عليه الحزب الشيوعي السوري، ويظهر بأن الكذب على المواطن والاستخفاف بعقله هو الذي يجمع الحزبين الذين من المفترض أنهم معنيون بايقاظ الناس وتوعيتهم وليس استغلالهم واستغبائهم، وفي هذا الإطار الذي يجمع ممارسات التنظيمين ذكر الكاتب مرفان كلش، "بأن أحد الفلاحين البسطاء في قريته كان منتمياً للحزب الشيوعي السوري (الجناح البكداشي) قبل 4 قرون تقريباً فسأل مسؤولهيوماً قائلاً يارفيق كيف نحن مطاردون من الدوله وسكرتير الحزب الرفيق خالد بكداش مقيم بالشام؟ فرد عليه المسؤول النحرير بأن هنالك نهر بجانب بيت السكرتير وعندما تأتي دورية المخابرات يركب الرفيق بكداش سفينته ويهرب الى الإتحاد السوفياتي" علماً أن بكداش حتى موتهكان عرّاب العلاقة بين النظام الأسدي وموسكو، وظلت جريدة نضال الشعب (صوت الشعب) ولعشرات السنينتطبع في مطابع الثورة العائدة لحزب البعث الحاكم، ومن يدري فلربما اسوةً بالفلاح كان العشرات من مثقفي الحزب الشيوعي يتصورون بأنهم ملاحقون من قبل نظام الأسد، وإلا فكيف سيكون العمل النضالي مثيراً ومشوقاً وله نكهة خاصة مع شيء من الخوف المصطنع، كما هو حال حزب الاتحاد الديمقراطي بالضبط، حيث لا تزال الفيالق الآدمية من الحزب لا تزال قيد التصديق بأن حزبهميقوم بالثورة في الشمال السوري ويخوض حرباً ضروس ضد طاغية دمشق، وربما كما كان عليه حال ذلك الشيوعي يظن الكثير منهم بأن صالح مسلم وأقرانه لديهم مراكب فضائية ينطلقون بها من مهابط الكانتونات إلى مطاراتقنديل ومن ثم يجوبون عواصم المعمورة على متنها.
التعليقات