شيوعيو البورجوازية الوضيعة (1/2)

تحدث ماركس وإنجلز في البيان الشيوعي عن اشتراكيي البورجوازية الوضيعة وذكرا المؤرخ والاقتصادي السويسري سيسموندي (Sismondi) مثالاً لها واعتبارها القوى الدائمة للرجعية حتى وهي تناضل ضد الرأسمالية . واشترط لينين على الحزب الشيوعي في الأممية الثالثة "الكومنتيرن" أن يقوم بين الفينة والأخرى بتطهير صفوفه من عناصر البورجوازية الوضيعة التي تكون قد نجحت في التسلل بين صفوفه ؛ وفي كتابه الضريبة العينية (Tax in Kind) 1921 كتب لينين .. "يجب أن نفضح أولئك الذين لم يدركوا بعد الدور الاقتصادي للبورجوازية الوضيعة التي هي العدو الرئيسي للإشتراكية في بلادنا" . وفي العام 1922 طلب لينين من اللجنة المركزية للحزب أن تطرد 100 ألف عضواً من الحزب والذين لا بد أن يكون معظمهم من البورجوازية الوضيعة غير أن اللجنة لم تطرد أكثر من 20 ألفاً بعد كل التحقيقات الدقيقة كان منهم زوجة ستالين بعد أن لم تشأ أن تعلن عن نفسها زوجة لستالين .

لقد عانى حزب البلاشفة في روسيا طوبلاً من نشاطات البورجوازيبة الوضيعة المعادية ؛ ففي العشرينيات واجه الحزب تروتسكي والتروتسكيين الذين بلغ بهم العداء تخريب مؤسسات الإنتاج التي يعملون فيها . وفي الثلاثينيات واجه الحزب الفلاحين الأغنياء (الكولاك) الذين خططوا لهزيمة الثورة عن طريق إتلاف المحاصيل الزراعية والحيوانات، ثم أنصار الفلاحين داخل الحزب وفي اللجنة المركزية بوخارين ورفيقه روكوف، ثم العسكر الذين أصروا على الانفاق على العسكرة ووصل بهم الأمر إلى التخطيط للإنقلاب على الدولة . وفي النصف الثاني من الثلاثينيات بعد إغتيال الرجل الثاني في الحزب " سيرجي كيروف " كان قرار الحزب تطبيق وصية لينين بتطهير صفوفه من عناصر البورجوازية الوضيعة خاصة وأن البلاد لا تستطيع مواجهة العدوان الهتلري المحتمل بمثل هذه العناصر في الحزب فكان ما يطلق عليه الغرب اسم "سنوات التطهير" 1936 – 1938 وهي حقاً سنوات تطهير الحزب من عناصر البورجوازية الوضيعة وفقاً لوصية لينين، وما حتمته مواجهة النازية والإمبريالية مجتمعتين كما ظهر واضحاً في مؤتمر ميونخ 1938 حيث تنازلت بريطانيا وفرنسا عن النمسا والسوديت من تشيكوسلوفاكيا لهتلر وعن أثيوبيا والصومال لموسوليني وذلك من أجل توجيه الأطماع النازية والفاشية نحو الإتحاد السوفياتي وثرواته الهائلة .

كان البعض من جلاوزة البورجوازية الوضيعة قد نجحوا في التسلل إلى المكتب السياسي للحزب مثل الثنائي زينوفييف وكامينيف وتآمروا على اغتيال سيرجي كيروف 1934 وتواصلوا مع تروتسكي 1936 متآمرين على الحزب والدولة . الجلواز الأسوأ من هؤلاء كان نيقولاي ييزوف (Nicolai Yezhov) الذي وصل لأن يكون وزير الأمن وعضواً في اللجنة المركزية للحزب . هذا الجلواز إقترف جرائماً بحق مئات الشيوعيين الأبرياء بقصد الإساءة لقيادة ستالين للدولة والحزب. لم يكتشف ستالين هذا الشرير إلا بعد سنتين من قيادته لأمن الدولة . أما العسكر طلائع طبقة البورجوازية الوضيعة فقد تآمرت قيادة الجيش للقيام بانقلاب عسكري ضد الحزب والدولة وقبض على المتآمرين قبل دقائق من تنفيذ الإنقلاب وتمت محاكمتهم وإعدام عشرات الضباط الكبار وعلى رأسهم رئيس الأركان مارشال الاتحاد السوفياتي ميخائيل توخاتشيفسكي ((Mikhail Tukhachevisky .

هي فقط ضربة الحظ التي أنقذت البورجوازية الوضيعة السوفياتية من الإنقراض ألا وهي العدوان الهتلري الغاشم على الإتحاد السوفياتي الذي كان من نتائجه إزاحة البروليتاريا من موقع السيادة في المجتمع السوفياتي الإشتراكي بعد أن لحق بها معظم الخسائر الهائلة التي تحملها الاتحاد السوفياتي في صد العدوان الهتلري، وبالمقابل تقدمت البورجوازية الوضيعة بعد أن توفر لطليعتها عشرات المارشالات وآلاف الجنرالات يقودون 6.5 مليون جندياً مسلحاً بأحدث الأسلحة لتحتل مركز السيادة في المحتمع بعد أن فقده العمال . حاول ستالين بكل عبقريته ودهائه إحياء دكتاتورية البروليتاريا كما كانت قبل الحرب فاقترح في الخطة الخماسية الخامسة 1951 – 1955 تعميم الإقتصاد المدني على حساب تهميش الإنتاج العسكري، إلا أن البورجوازية الوضيعة الرجعية أبداً، بوصف ماركس، تنبهت مبكراً إلى ما كان يضمره ستالين لها فاغتالته بالسم في 28 فيراير 1953 بيد وزير الأمن لافرنتي بيريا (Lavrenti Beria) ولم يكن قد انقضى أكثر من عام على تطبيق الخطة الخمسية . بعد اغتيال ستالين انتقلت صناعة القرار الوطني من قيادة الحزب إلى قيادة الجيش حيث ظهر أن قيادة الحزب لم تكن قد تعلمت من ستالين الحرص الثوري على سلامة الثورة وتقدمها وهو ما أشار إليه ستالين في مؤتمر الحزب قبل اغتيالة بثلاثة أشهر فقط . فما كان من هذه القيادة الجديدة إلا أن أصدرت تعليماتها للحزب بإلغاء الخطة الخمسية الخامسة بكل مندرجانها في سبتمبر ايلول 1953 وتحويل كل الأموال المخصصة للخطة إلى الجيش وصناعة الأسلحة وهو ما دعا مالنكوف إلى الإستقالة كأمين عام للحزب إحتجاجاً . رفض مالنكوف التعاون مع العسكر فعينوا بدلاً عنه نيكيتا خروشتشوف كأمين عام للحزب وهو يعلم تمام العلم أنه إنما يخون الثورة الإشتراكية لكن ذلك كان المنفذ الوحيد الذي ينفذ منه ليقوم مقام ستالين الذي كان محل إنبهاره الشديد . قبل خروشتشوف لنفسه أن يقود ثورة البورجوازية الوضبعة المضادة باسم الحزب، حزب لينين وستالين مؤسسي البلشفية - ولدي اعتقاد خاض وهو أن خروشتشوف كان يعي أنه يخون الثورة وهو الثمن الذي كان عليه أن يدفعه لقاء المنصب، منصب ستالين، لكنه كان يأمل أن تفشل الثورة المضادة بقيادته كما تشير بعض الوقائع كاعترافه بفضل ستالين في بناء الدولة والانتصار على مختلف الأعداء في افتتاحه للمؤتمر للإستثنائي للحزب في فيراير شباط 1959 وتعنيفه لرفاقه في المكتب السياسي في العام 1964 بالقول .. " خراء ستالين أفضل منكم " . في يونيو حزيران 1957 اتخذ المكتب السياسي للحزب، وهو أعلى سلطة في الدولة، قراراً بسحب الثقة من خروشتشوف الذي كان عليه أن يتنحى من الأمانة العامة للحزب ومن منصب رئيس مجلس الوزراء وفق الأصول والأنظمة المرعية، لكنه عوضاً عن ذلك استنجد بصديقه وزير الذفاع المارشال جوكوف وقاما بانقلاب عسكري ضد الحزب فتم طرد 7 أعضاء من مجموع 9 أعضاء في المكتب السياسي والإبقاء على إثنين فقط هما خروشتشوف نفسه وصديقه ميكويان ؛ ومن الجدير بالذكر هنا هو أن نظام الحزب يحصّن عضوية المكتب السياسي فلا تسقط إلا بقرار من المحكمة يدين العضو بالإجرام .

في مؤتمر الحزب الإستثنائي 1959 هاجم خروتشوف المبدأ اللينيني القائل بالوحدة العضوية بين الثورة الاشتراكية وثورة التحرر الوطني مدعياً أن ثمة مغامرين في ثورة التحرر الوطني يستجلبون المتاعب للإتحاد السوفياتي - وكان يقصد جمال عبد الناصر دون أن يسميه وهي نفس الأعذار التي لحجتها قامت الخابرات السوفياتية بانقلاب بومدين في الجزائر 1965 وبانقلاب حافظ الأسد في سوريا 1970 - وهاجم الانذار السوفياتي لدول العدوان الثلاثي على مصر 1956 وإنذار الولايات المتإحدة وبريطانيا 1958 مشترطاً سحب قواتهما من لبنان والأردن لحماية الثورة العراقية، باعتبار أن كلاً من هذين الإنذارين عرّض أمن الاتحاد السوفياتي للأخطار . وفي مؤتمر الحزب العام 1961 قرر الحزب بطلب من قائده خروشتشوف بالطبع إلغاء دولة دكتاتورية البروليتاريا مستبدلاً إياها بما سمّي "دولة الشعب كله"، كما قرر الاستقلال المالي لمؤسسة الانتاج ؛ فكان إثر ذلك أن لم يبق ملمح اشتراكي في الاتحاد السوفياتي .

وبعد استنفاذ كل ما وسعت خيانة خروشتشوف في العام 1965 أحس العسكر أن رجلهم خروشتشوف بدأ يعلن مراجعته فقاموا بطرده من جميع مناصبه بتهديده بالقتل . لكن من تمرغ بالخيانة لا يستطيع أن يتحدى القتلة فاستقال من جميع مناصبه وروّح إلى البيت .

ما لا بدّ من أن يستخلصه كل مراقب من هذه السلسلة من الوقائع التاريخية الثابتة في تاريخ الاتحاد السوفياتي بعد الحرب العالمية الثانية، التي كانت قد كرسته كاقوى دولة في الأرض، هو أن ما انهار في العام 1991 ليس هو اشتراكية لينين وستالين كما يتنطع الكثيرون من شيوعيي البورجوازية الوضيعة، بل هو الثورة المضادة لتلك الاشتراكية برداء زائف من الشيوعية .

 

استوجب التذكير بكل هذه الوقائع ليس لننفي انهيار المشروع اللينيني بذاته، وهو الذي يؤكد بذاته أنه ما زال حيّاً في الأرض ولم يمت طالما أن دولة في العالم لم تنجح في إرساء علاقات إنتاج راسخة وقابلة للحياة، لكن لنؤكد أن البورجوازية الوضيعة التي قامت بثورة مضادة للإشتراكية هي ما زالت نفسها في السلطة في روسيا لكنها لم تعد قادرة في العام 1991 على التخفي بأردية اشتراكية كاذبة . وهي هي التي إغتالت ستالين ؛ وهي هي التي ألغت الخطة الخمسية الخامسة ؛ وهي هي التي هاجمت رمز البولشفية ستالين ؛ وهي هي التي قامت بانقلاب عسكري ضد الحزب في العام 1957 ؛ وهي هي التي ألغت دكتاتورية البروليتاريا ؛ وهي هي التي فككت الاتحاد السوفياتي في العام 1991 ؛ وهي هي التي ترسل اليوم أسلحتها الفتاكة لتفتك بالشعب السوري لأته كان طليعياً في ثورة التحرر الوطني وصديقاً للإتحاد السوفياتي الاشتراكي، وليس لأية أسباب أخرى كما يدعي البعض .