ارى ان العقدة التي يصنعها الطبالون و المداّحون و مسّاحو الاكتاف من ضعاف النفوس بدات تظهر و تعود بشكل واضح و قوي على الساحة العراقية في وقت الذي نرى صور الزعماء والرؤساء المستبدين والمجرمين تُحرق وتُداس بالاقدام مع اندلاع الاحتجاجات والثورات الشعبية وتحديدا في الدول العربية .

فعلى سبيل المثال نرى اليوم الصور و الجداريات و الملصقات لزعماء الاحزاب و الكتل و الشخصيات السياسية والدينية العراقية الحالية الذين جعلوا من العراق محافظة تُدار من قبل دول الجوار

تملأ الشوارع والساحات وجدران المباني الحكومية بشكل فج ومستفز, يظهرون للناس بلقطات ومشاهد تارة بـ(القبعة عسكرية )، وأخرى بـ(النظارة الشمسية ) ، وثالثة بـ(الزِّي العربي التقليدي) و (الزِّي الوطني الكردي ), ويدعون الوطنية , والوطنية منهم براء , اضافة الى شعارات و قصائد واقلام تمجد اشخاصاً واحزاباً عراقية في مدن بلادنا و قصباتها .

ولو نرجع قليلا الى الماضي نرى ان ضعاف النفوس من المداحين و الطبالين وفّروا لـ(صدام )الطاغية و زمرته العفنة كل ظروف النمو المناسبة ليظهر (صدام) ظهوراً مشؤوماً في اواخر السبعينات على الساحة السياسية العراقية .

لقد مجّد هؤلاء (صدام )باغانيهم وقصائدهم واقلامهم وهتافاتهم (بالروح بالدم نفديك يا صدام ) , وصارت القصائد و الهوسات (الشعبية) و المبايعات من الاولوية في اهتمامات اشباه المثقفين العراقيين , بالرغم من مغامرات (صدام) المدمرة و نزعتة الشوفينية و ساديتة و نرجسيتة البغيظة , وذالك مقابل ساعات ذهبية وسفرات الى خارج الوطن ومنحات دراسية و تعليق انواط شجاعة و اوسمة وعقارات وسيارات وكوبونات ودفاتر صكوك .

نعم ان هؤلاء الضعاف النفوس ساهموا في صناعة الدكتانور و لزموا الصمت في افضل الاحوال عندما حول (صدام) العراق الى مسلخ وسجن كبير , وشن حرب الإبادة ضد الكرد و استخدم الاسلحة المحرمة دوليا في كردستان والاهوار , كما شن الحروب ضد الجيران التي ادت إلى وقوع ملايين من الضحايا بين القتيل و الجريح و المفقود بسبب حربه ضد ايران و غزوه للكويت, في حين كان المداحون يصفقون ويهوسون ويهتفون ويغنون لحماقته وعنجهيته ويرفعون إشارة النصر و يباركون (جريمة حملات الانفال الاكثر من سيئة الصيت )و ادعوا بانها ( ملحمة العراقيين الاماجد وبطولة تضاف الى سجل العراقيين عربا و كردا)(1).......

 لقد رسم المداحون و خططوا (للقائد الضرورة ) وامتعوه بقصائدهم و كلماتهم السوداء و بمديحهم الزائف في المهرجانات والاحتفالات والاعياد ,وحولوا ساحات و جدران العراق الى البوم لصور القائد الاوحد , اما تماثيله فلا تعد و لا تحصى .!!

ولكي نستفيد من كل التجارب الماضية ومن إخفاقاتنا واخطائنا ، وأن لا نقع في الأخطاء نفسها , يجب ان نبدء بـ (حملات تنظيف) العراق من صور الساسة والجنرالات والمشايخ وزعماء الاحزاب الذين يصرون على ان يقدموا انفسهم ( كرموز عراقيين حاليين ) .

يجب ان نستفيد من التجارب السابقة التي قادت العراق الى كوارث مدمرة ما زالت الشعوب العراقية تئن تحت وطائتها , منها ثقافة تقديس القائد او الرئيس الضرورة الذي يرى ان كل من يخالفه فى الرأى أو ينتقده يريد ضرراً بالوطن ويضمر حقداً على الرئيس ..

 وعليه اقول ان اقامة الجداريات و النصب للقيادات و الشخصيات السياسية العراقية الحالية ليست الاّ تكريساً للاستبداد و مساهمة في ابراز دكتاتور جديد .

فما اصدق عبدالرحمن منيف حين قال :

الجلاد لم يوُلد من الجدار ولم يهبط من الفضاء , نحن الذين خلقناه , كما خلق الإنسان القديم ألهته .

اختتم مقالتي بحكاية الزعيم الشهيد ( عبد الكريم قاسم ) عندما زار مخبزا في الكاظمية وهو يضع صورة كبيرة جدا للزعيم , وحين وزن ( قاسم ) (عجينة الصمون ) وجدها ناقصة , وعليه وبخ الخباز وقال له باللهجة العامية العراقية : ( ابني رحمة لوالديك , صغر صورتي وكبر الشنكة )(2 ) .

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- مانشيتات في جرائد النظام العراقي البائد في نيسان عام 1988 ( جريدة الثورة ، جريدة العراق ،جريدة هاوكارى و تصريحات لوكالة الانباء العراقية ( واع ) من قبل مستشارين بما سمى بـ( افواج الدفاع الوطني ـ الجحوش ـ صداميين اكراد و تسميات عديدة اخرى اٌطلقت على تلك التشكيلات ( الافواج ) التي كانت شبه نظامية ساهمت وبشكل مباشر مع كبار رموز النظام العراقي البائد في حرق وتدمير كردستان ارضأ وشعبا.
2 ـ الشنكة ـ كرة العجين .