8 شباط الاسود ...
يوم 8 شباط 1963 الاسود شكل انعطافة تاريخية في مسار العملية السياسية العراقية , وكان بداية لكارثة أصابت العراق ولا تزال آثارها المدمرة واضحة للعيان ....حيث اجتاح البلد مد فاشي عنصري قضى فيه الانقلابييون على الألاف من الشيوعيين والديمقراطيين والعسكريين الشرفاء من قادة ثورة تموز المجيدة , واغتالوا مكاسب الشعب , وحولوا الدور والملاعب والمقرات والمؤسسات والابنية والمدارس الى معتقلات واقبية وزنازين وسراديب رهيبة , مارسوا فيها شتى انواع اساليب البطش والتنكيل والتعذيب الوحشي والاعدامات والتصفيات لخيرة ابنا شعبنا العراقي,وكراس (المنحرفون)( 1 ) الذي اصدره حليف البعثيين السابق (عبد السلام محمد عارف )(2 ) بعد 18 تشرين الثاني 1963 ووثق بالصور والمذكرات والتقارير السرية والشكاوى والافادات والوثائق الرسمية والادلة الدامغة تثبت الممارسات الوحشية و اللاأخلاقية واللاإنسانية ، التي قامت بها قطعان (الحرس القومي )(3 ) في خلال فترة قياسية لتصفية خيرة ابنا شعبنا العراقي, يتقدمهم الشهداء الابرار من قادة الحزب الشيوعي العراقي (سلام عادل وجمال الحيدري والمحامي نافع يونس وعبدالرحيم شريف ومحمد صالح العبلي والصحفي البارز عبدالجباروهبي وحسن عوينة ومحمد حسين أبو العيس و جورج حنا تلو و المحامي شيخ حسين البرنجي وشقيقه المحامي معروف البرزنجي والكادر العمالي إلياس حنا كوهاري والكاتب والقاص حسين علي هورامي , ومئات غيرهم من كوادر واعضاء الحزب الشيوعي العراقي .....
كتبت رائدة الحركة النسائية في العراق المناضلة الاربيلية (فتحية محمد مصطفى) المعروفة بـ(ام شوان)(4 ) وهي زوجة المناضل الشهيد عادل سليم عن انقلاب شباط الاسود ,تقول المناضلة ام شوان:
اتذكر جيدأ في نهاية عام 1962، كنت أقيم في بيت والدتي (مرال الحاج داود الدباغ) الواقع في محلة خانقا في اربيل . وقبل اسابيع من الانقلاب الاسود ، زارتني في البيت إحدى الرفيقات التي كانت تسكن في محلة العرب وتعمل معي في نفس التظيم الحزبي وسلمتني منشور صادر من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي معنونة الى كافة منظمات الحزب والذي احتوى على معلومات تؤكد نية الحزب البعث في الانقلاب وعليه طلب الحزب من اعضائه ان يقاوموا بشدة للقضاء على اي تمرد او عصيان مهما كلفهم الامر وطلبت مني ان اوزع المنشورعلى الرفاق والاصدقاء في اربيل .....
والجدير بالذكر ان زوجي الشهيد عادل سليم كان في ذالك الوقت معتقلا مع رفاقه في سجون ومعتقلات عبدالكريم قاسم بعد ان القى القبض عليه في مدينة كركوك ربيع عام 1962...
وللتاريخ اقول بان منظمة الحزب الشيوعي العراقي في اربيل كانت على استعداد لمواجهة اي تمرد او عصيان , وبناء على توجيهات الحزب اوصلت البيان الى مقر الحزب ومقر رابطة المرأة وطلبت منهم الحيطة والحذر وبعد اسبوعين او اكثر تقريبأ سمعنا بخبر الانقلاب والبيان (رقم 13) الاسود والداعي الى ابادة الشيوعيين ،و الذي اذيع من محطة الاذاعة عشرات المرات وهذا نصه :
بيان رقم 13 صادر من الحاكم العسكري العام :
نظراً للمحاولات اليائسة للعملاء الشيوعيين ـ شركاء عدو الكريم ،في الجريمة، لزرع الفوضى في صفوف الشعب، وتجاهلهم للأوامر والتعليمات الرسمية، فقد كُلف قادة الوحدات العسكرية، والشرطة و(الحرس القومي) بالقضاء على كل من يعكر صفو السلام، وإننا ندعو أبناء الشعب المخلصين إلى التعاون مع السلطات بالإعلام عن هؤلاء المجرمين، وإبادتهم ........!!
بعد اذاعة بيان الانقلابيين مساء 8 شباط وخروج التظاهرات المناهضة للانقلاب الاسود ذهبت فورا الى مقر الحزب الشيوعي العراقي وثم الى مقر رابطة المرأة العراقية الواقع في وسط مدينة اربيل واستطعنا خلال فترة قياسية ان نحرق ونتخلص من هويات العضوات واسماء المتبرعات والوثائق ومحاضر الاجتماعات وبهذا العمل استعطنا ان ننقذ حياة عشرات الرفيقات والرفاق من قبضة الحرس القومي و اعتقال مؤكد ونهاية لا تحمد عقباها ...
وفعلا بعد اكمال مهمتنا بنجاح جرى اقتحام مقر الرابطة من قبل عشرات الاشخاص الملثمين من قطعان الحرس القومي سيء الصيت والمعروفين من قبل ابناء مدينة اربيل بحثاً عن الاسماء والعناوين ولكن دون جدوى لم يعثروا على اي شيء سوى بعض بقايا الأوراقٍ الممزقة والمتناثرة وبقايا الهويات الممزقة والمحروقة في مقر رابطة المرأة ....!!
كما قامت تلك المجاميع المسلحة من قطعان الحرس القومي بمداهمة البيوت ليلا دون إذن من أهلها وكانوا يتصرفون كالحيوانات المتوحشة يحطمون الابواب و الشبابيك ويدنسون حرم البيوت ,وكانوا يفتشون بطريقة جنونية جميع الأغراض من خزانات الملابس والمطبخ وخزانات الغرف الاخرى , وجرى اعتقالات عشوائية داخل مدينة اربيل وكان في حوزتهم ايضأ قوائم باسماء المطلوبين ,كماقاموا بفرض حالة الطوارىء وحضر التجول ووضعوا نقاط تفتيش في الشوارع وفي كل المنافذ الحساسة والطرق الرئيسة داخل مدينة اربيل وبتعزيزات عسكرية كثيفة لم تشهدها اربيل من قبل....
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ ( المنحرفون ) كتاب وثائقي مصور صادر من قبل دوائر انقلاب تشرين العسكري التالي , يتضمن الكتاب الوثائق والصور وادوات التعذيب في سراديب قصر النهاية , وبيانات قرقوشية بعثية همجية وجزء من الجرائم التي ارتكبت بحق الابرياء من ابناء وبنات الشعب العراقي ... اي من فمهم الاعوج ادانوا انفسهم واعمالهم القبيحة .......
2 ـ المشير الركن عبد السلام محمد عارف من مواليد 1921 اصله من محافظة الرمادي وهو من عائلة ميسورة الحال , كان ابوه تاجرا للاقمشة , تاثر بالفكر الناصري العروبي , اصبح رئيس جمهورية منذ اغتصاب السلطة في 8 شباط 1963 المشؤوم حتى مقتله في نيسان 1966 في حادثة سقوط طائرة هليكوبتر , لم يكن منتميا الى حزب البعث ولكن كان محاطا بالبعثيين امثال احمد حسن البكر و صالح مهدي عماش و عبد الكريم مصطفى نصرت واخرين , خلفه اخوه عبد الرحمن محمد عارف من 16 كانون الاول بموجب المرسوم رقم 1178 , حتى انقلاب 17 تموز1968 المشؤوم ,حيث اصبح احمد حسن البكر مواليد مدينة التكريت 1914 رئيس جمهورية الى يوم استقالته في 16 تموز 1979 بحجة مفبركة و بضغط من صدام حسين، ثم تمت تصفيته كباقي اعضاء حزبه ورفاق دربه واستلم صدام حسين دفة الحكم الى يوم سقوطه في 9 نيسان 2003 ....
3ـ الحرس القومي، عصابات مسلحة تاسست بعد نجاح الانقلاب الاسود , كانوا مخولين بأبادة كل من يشتبه به , كانوا يشدون شرائط خضراء، يحملون العصى والهروات والرشاشات , اعتقلوا وعذبوا واغتصبو واعدموا الالاف من احرار العراق من الشيوعيين والديمقراطيين والتقدميين وقد وضعت مراكز لهم في كل مدينة , محلة وشارع ...عرفوا بدمويتهم وشراستهم ...لقد ابادوا عوائل في دورهم , كانوا يحملون صور وقوائم مطبوعة باسماء المطلوبين. كانت مهمتهم الرئيسية القضاء على الشيوعيين بالدرجة الاولى حسب اعترافاتهم ..
4 ـ (فتحية محمد مصطفى ـ ام شوان ) مناضلة اربيلية معروفة , ناضلت في ريعان شبابها من اجل الدفاع عن مساواة البشر و العدالة الاجتماعية و من اجل عالم افضل للبشرية , بارادتها الصلبة في الدفاع عن حقوق المراة و حركتها التحررية وكانت من المناضلات الاوائل في صفوف ( رابطة الدفاع عن حقوق المرأة العراقية) ومن ثم (رابطة المرأة العراقية) بعد ان تغيّر اسمها عام 1959 .......
شاركت المناضلة ام شوان مع زوجها الشهيد عادل سليم في العمل السري و في المعارك السياسية وكل اشكال النضال التي خاضها الحزب الشيوعي العراقي منذ بداية الاربعينيات من القرن الماضي , وتحملت اعباء النضال وصعوباته ومخاطره حتى بعد استشهاد رفيق دربها الماضل عادل سليم في 12 / 9 / 1978 دون كلل او خوف ,حيث حولت بيتها في بداية الثمانينات الى بيت حزبي , فهي التي كانت تخطط وتوفر مستلزمات استقبال و ترحيل عشرات المناضلين و المناضلات الى مدن العرق الاخرى وتحديدا الى العاصمة والمدن الجنوبية وخاصة من الكوادر التنظيمية وخاصة بعد خوضهم الكفاح المسلح لسنوات .... بالاضافة الى تربية ورعاية اطفالها ,و تحمل المسؤولية الكاملة عنهم ، حيث كانت تقوم بدوري الأم والأب في ان واحد .....
لقد ظلت هذه الانسانة الكبيرة حتى اللحظات الاخيرة من حياتها لصيقة بحزبها ومخلصة لمبادئها ووفية ... وفاءً اسطوريأ لابنائها , وواثقة من انتصار القضية العادلة التي نذرت نفسها وعائلتها من اجلها , سوية مثل الاف الشيوعيات المناضلات .... في 8 / 5 / 2009 رحلت عنا بصمت مقدس وتركت فراغأ كبيرأ لكل من عاش و عمل وناضل معها وعرفها وكانت خسارة كبيرة لعائلتها ولاولادها حيث كانت مرجعا وسندا قويأ لهم بالاضافة الى انها كانت اماً وصديقة ورفيقة وفية وشخصية فذة تركت بصماتها واضحة في تاريخ ونضال مدينتها (اربيل العريقة) ..............
التعليقات