من أعقد المسائل الوجودية التي تواجه الإنسان هي مسألة الروح والنفس والوعي وحياة ما بعد الموت ويوم القيامة والثواب والعقاب والجنة والنار ويوم الحساب والخطيئة والإثم الخ... ولقد أفاضت الأديان السماوية اليهودية والمسيحية والإسلام، والوضعية كالبوذية والهندوسية والمجوسية في محاولة الإجابة على هذه المفاهيم والتساؤلات ولم تنجح في تقديم صورة موحدة ومقبولة ومقنعة يمكن أن تطمئن لها القلوب وتعدها حقيقة مطلقة وثابتة لا جدال فيها . لقد أحرج محمد نبي الإسلام من قبل بعض المفكرين والفلاسفة اليهود في زمنه عندما سألوه ما هي الروح؟ فلم يجد لهم إجابة سوى " قل الروح من أمر ربي". ما يعني أنها موضوع لا يسمح بالنقاش فيه فلا يعلم سره إلا الله. في حين أسهب في أحاديثه عن حياة ما بعد الموت وعذاب القبر ويم الحساب والعقاب وأكثر في وصف الجحيم وأهواله ونار جهنم ومشاهد التعذيب السادية للكفار والمشركين والمسلمين من غير المؤمنين المطبقين للإسلام على نحو صحيح ومنضبط، ووصف الجنة ومزاياها حيث أدعى أنه زارهما في رحلته المعروفة بالإسراء والمعراج وقال أنه التقى بالأنبياء الذين سبقوه وهم يعيشون حياة البذخ والسعادة المطلقة في الفردوس الإلهي وهي مشاهد ميتافيزيقية محضة لا مكان لها في هيكيلية وهندسة وتكوين الكون المرئي من الناحية العلمية. فمفاهيم وعلوم كالفيزياء والرياضيات والكيمياء والبيولوجيا والوعي وعلم النفس والعقل الباطن واللاشعور لم تكن معروفة في عقول وثقافات أبناء ذلك الزمن وكانت تصوراتهم محدودة ومقيدة بصيغة سفر التكوين التوراتي التي تبناها القرآن وقصة الخلق الدينية وآدم وحواء وإبليس والشيطان والملائكة وغير ذلك. لم يكن بوسع أحد آنذاك أن يفكر بالمادة والطاقة ومكوناتهما وقانون حفظ الطاقة والمادة والوعي الجمعي والروح الجمعية وتعدد الأكوان الخ.. فهناك كون بأكمله ، أكبر بما لا يمكن تصوره من كوننا المرئي، مخصص للوعي الجمعي الكوني ويمكننا اعتباره بديلاً للجنة وهو أكبر وأشمل منها بما لا يقاس أو يقارن، ويحتوي الوعي واللاوعي الجمعي المنتشر في كافة الأكوان المتعددة وهو أهم مكون من مكونات الكون المطلق الحي الدائم الأزلي والأبدي. تتجمع فيه جميع خلايا الوعي واللاوعي الجمعي الموجودة في كل كون يحتوي على الحياة . ففي كل كوكب في أية منظومة شمسية ، تتواجد فيه حياة عاقلة ووعي مفكر، في أي كون من منظومة الأكوان المتعددة ، التي تعتبر بمثابةالجسيمات الكونية الأولية ، التي تستحق تسمية الجسيمات الإلهية، إذ أن كل كون قد يكون مشابه أو اصغر أو أكبر من كوننا المرئي، هو جسيم أولي كوني في كيان الكون المطلق، يوجد، إلى جانب المادة المألوفة المكونة له، توجد مادة من نوع آخر وماهية أخرى ليست مادية و لا توجد تسمية أخرى تصفها ، لكي يفهمها البشر،سوى تسمية الروحية ، والتي تتواجد في كون خاص بها هو كون الأرواح الجمعية. ونفس الشيء بالنسبة للوعي العاقل والمفكر الذي هو جزء من تركيبة جمعية من الوعي الجمعي تجتمع كلها في كون خاص بالوعي الجمعي بصيغة الجمع، مرتبطة ببعضها كترابط الأعصاب والأوعية والشبكة العنكبوتية ، لتقريب الصورة لأذهان البشر ليس إلا. شيء يماثل الانترنيت الكوني الذي يربط بين جميع الأكوان المتعددة. وإن واحدة من آليات عمل الوعي الجمعي، على سبيل المثال، هي تلقي المعلومات من الكائنات الحية ، بشر وحيوانات ونباتات وميكروبات الخ.. التي تعيش على كوكب ما ، وعلى عدد من الكواكب في إطار مجرة معينة، داخل كون من الأكوان، والمتصلة ببعضها، وهي معلومات تتعلق بالوسط والبيئة التي تعيش فيها، بحيث إن مجموع هذه المعلومات التي تبثها الأرواح الحية أو الكائنات التي تمتلك أرواحاً ، بما في ذلك المشاعر والرؤى والرغبات والروائح وأحاسيس اللمس والسمع والنظر وأحاسيس الألم والفرح والسعادة والنشوة والرغبة الخ والعمليات العقلية والدماغية كلها مختزنة كما تختزن المواد في قرص الكمبيوتر لكنها طاقة خزن لا محدودة للمعلومة. ويتم نقل المعلومة بين الكائنات والوعي الجمعي في أي كوكب أو مجرة أو كون ، بالاتجاهين وبسرعة تفوق سرعة الضوء بمليارات المليارات المليارات المرات . فالوعي الجمعي ينقل للكائنات الحية كل ما يلزمها لتتطور بما يتعدى بكثير إطار نظرية التطور والانتخاب الطبيعي لداروين وهي صحيحة لكنها نسبية مقتصرة على التطور البيولوجي على الأرض، فالوعي الجمعي يربط بين كافة جينات الكائنات الحية قاطبة ،البشرية والحيوانية والنباتية وذلك عبر 86 زوج من ذرات عنصر الكريبتون النادر في الكون المرئي، فعناقيد الكريبتونات الكمومية أو الكوانتية هذه ترتبط بجينات كل كائن حي لكننا لا نستطيع كشفها في الوقت الحاضر بما لدينا من أجهزة ومعدات لم تصل بعد إلى المستوى المطلوب واللازم تكنولوجيا للقيام بهذه المهمة. فالوعي الجمعي ينقل للبشر ، خارطة الأشكال، les patrons de formes، ولنأخذ ، على سبيل المثال، اللون، فاللون غير موجود بذاته وهو ليس سوى عملية إدراك دماغي ونفسي ، فجوهر الإدراك في واقع الأمر هو دفق من الموجات الكهرومنغنناطيسية ، ونفس الشيء بالنسبة للمظهر المادي للأشياء التي هي في الواقع ليست أكثر من وهم أو توهم بصري . فلو أخذنا ولاعة سجائر ووضعناها على راحة اليد فنحن في حقيقة الأمر لا نمس سطح الولاعة لأنه في الواقع الكمومي أو الكوانتي هناك مسافة كبيرة ، ولكن في حيز اللامتناهي في الصغر، تفصل بين ذرات معدن الولاعة والسحابات الإلكترونية لجلدة اليد لكننا لا نشعر بذلك و لا نراه بالطبع فهناك عملية تنابذ متبادل بين الطرفين ، بين سطح المعدن وجلد اليد، وهو التنابذ الناجم عن الشحنة الكهربائية السلبية. فللولاعة مظهر مادي محدد ولكن في الحقيقة الكمومية أو الكوانتية تكون نوى أو النواتات الذرية المكونة للولاعة متباعدة فيما بينها بنفس نسبة المسافات التي تفصل بين النجوم أو الشموس وعندما نولع الولاعة نعتقد أن ضوء نارها يصل إلى حدقة العين، بل إن الذي يصل إلى العين هو نبضات مشفرة أو رسائل كهربائية يرسلها العصب البصري إلى الدماغ لكي يترجمها إلى صورة لهيب الولاعة بعد أن يفك شفرة الرسالة الضوئية ويشكل منها سيناريو عقلي على هيئة صورة للهيب الولاعة. فهناك موجة كهرومغناطيسية تتوافق مع كل لون فلكل لون موجته الخاصة بتغير تردد الموجة يتغير اللون وهكذا تدرك العين البشرية اللون وتميز لوناً عن آخر ولو تغير تردد الموجة أكثر فأكثر فسوف ندرك حرارة اللون أو صوته . فالعالم الخارجي هو عبارة عن وهم بصري افتراضي تصنعه أدمغتنا حيث يصنع الدماغ تصور عقلي للعالم الخارجي من خلال إدراكه للموجات الكهرومغناطيسية التي هي الواقع الحقيقي الوحيد لكوننا المرئي أي نوع من البرنامج الحاسوبي الذي يعطيه ويرسله لنا الوعي الجمعي الذي يتيح لنا رسم صورة ذهنية في عقولنا وأدمغتنا عن العالم الخارجي وهي في الحقيقة صورة افتراضية تماماً entièrement virtuel. كما يرسل الوعي الجمعي للكائنات الحية خارطة السلوكيات والتصرفات على طريقة الحاسوب العملاق، فهذا الحاسوب الكوني اللامحدود القدرة والاستيعاب يسجلكل شيء يحدث على الأرض، وهو مبرمج لكي يعالج كل المعلومات المستلمة ويخزنها وفق برنامج يتضمن قوانينالأخلاق الكونية ، ومن ثم يرسل لنا الوعي الجمعي ثمرة معالجته وتحليله للمعلومات المتلقاة التي تعطينا التوجهات اللازمة لمسيرة حياتنا حسب ما يمليه علينا ضميرنا ووعينا الصغير أو حدسنا أو ما يسميه البعض منا بملاكه الحارس . أن التوجيهات الحياتية تخاطباللاوعي البشري أو الوعي الباطن subconscient، مع ترك المجال لنا لكي نقوم بعملية الاختيار الحر ولكن قد تحدث حالات تلبك أو عطل حاسوبي في النظام رغم دقته، حيث لايقوم الوعي الجمعي بردة فعل آنية كعادته في بعض الحالات والحال يكون الوعي الذي نستلمه غير متوافق كلياً مع الوضع الذي نعيشه وهذا ما يفسر وجود انحرافات أوسلوكيات منحرفة .
الوظيفة الأهم للوعي الجمعي هي إحتوائه للحيوات المتوفية على غرار السيرفير server أو الوحدة المركزية للكومبيوتر الكوني unité centrale cosmique، التي تقوم بمعالجة النصوص والبرامج والتطبيقات والمعلومات وتتيح للأرواح بمعالجة معلوماتها الخاصة بها أي كيفية العيش بتوافق وتزامن مع الإطار المادي الذي يضمها أي الجسد. ولذلك فهو بحاجة إلى معالج عملاق un processeur، كلي مطلق وآخر جزئي نسبي كالدماغ البشري، إبان الحياة، وكذلك القدرة اللامحدودة للوعي الجمعي لمعالجة صيرورة ما بعد الموت، نظراً لاختزان الوعي الجمعي لكم هائل من المعلومات عن الأرض ومن فيها على امتداد تاريخها . من هنا فإن الالتحاق بالوعي الجمعي بعد الموت يعني بدء الحياة الحقيقية ولكن ليست نفس الحياة التي عشناها على الأرض، وليست هي الحياة التي وعدت بها الأديان قطعاً، إنها سعادة محضة إلا في حالات تكون فيها الروح الذاهبة إلى هناك منحرفة اختارك السلوك الخاطيء المنافي للأخلاق الكونية المعتمدة بين الكائنات السوية فلن يكون بمقدور هذه الروح أن تندمج بالوعي الكلي مباشرة كما هي على حالاتها التي وجدت عليها عند موت جسدها لأن معلومتها المختزنة سوف تلوث son information engrammée est viciéeمنظومة النفس الجماعي الرائعة والمتقنة لذا يتوجبإعادة برمجة تلك الروح الهائمة من خلال عملية أو سيرورة معقد un processus de reconformation ، وهي عملية ستكون مؤلمة وبطيئة ولا تطاق من وجهة نظر تلك الروح المنحرفة غير المندمجة بالوعي الكلي أو الجمعي وهي الحالة التي تسميها الأديان " الجحيم أو جهنم" وهي حالة رمزية لأنه لايوجد جحيم ولا جهنم بالمعنى المادي الملموس للكلمة، بل هي مجرد عملية تطهيرية لتلك الروح الجانحة لكي يعاد برمجتها وإعادة دمجها بالوعي الكلي. فالموت بالنسبة لروح سوية يبدو هنا بمثابة عملية تحرر حقيقية من سجن الجسد ومن معتقل المادة إبان فترة الحياة،فالحياة المادية هي الموت والحياة الحقيقية الحرة هي التي تبدأ بعد الموت هي الحياة الحقيقية، فالموت هو عملية إنعتاق من عبودية الجسد والمادة . ومن الكون الذي توجد فيه منظومة الوعي الكلي أو الجمعي يمكن للأرواح الخيرة السوية أن ترسل رسائل غير مرئيةللوعي الباطن لدى الأحياء في الدنيافهناك قصة مأثورة في الموروث الشعبي الفرنسي تقول أن امرأة كانت تحب طفلها حباً جنونياً وفقدته في حادث فحزنت كثيراً وحتى عندما حبلت بطفل آخر لم ينسها طفلها الحبيب الأول وصارت تكره الطفل الثاني لأنه أخذ مكان إبنها الأول ولكن في لحظة مختارة بعناية اقترب منها طفلهاالصغير وقال لها لا تحزني يا أماه إنه أنا عدت إليك في جسد هذا الطفل ولكن لا تخبري أحد لكي لا يتهمونك بالجنون، ولقد استلهم الكاتب الروائي والشاعر الفرنسي الشهير فيكتور هيغو هذه الحكاية وخلدها بقصيدة مشهورة ، إذ أن بعض الأرواح تفضل الاحتفاظ بذاكرتها حتى عندما يعاد بثها في أجساد أخرى وهذا الأمر معروف في مجال ما يسمى اليوم بــ بالبارنورمال. ومن مزايا الوعي الجمعي أنه يتيح إمكانية التواصل بين الكائنات الحية بواسطة التخاطر la télépathie. وهي تقنية اتصال وتواصل لا يعرفها البشر سوى بروايات وأفلام الخيال العلمي حالياً لكنها ستكون مألوفة وعادية بينهم في المستقبل البعيد عندما يصلون إلى المستوى المطلوب من التطور التقني والبيولوجي. يتبع
التعليقات