وقع الرئيس الامريكي "دونالد ترامب" يوم الجمعة، 27 يناير 2017م، أي بعد اسبوع واحد فقط من تسلمه السلطة رسميا كرئيس للولايات المتحدة مرسوما تنفيذيا يحظر بموجبه سفر مواطني سبع دول اسلامية هي إيران والعراق وسوريا وليبيا واليمن والسودان والصومال الى الولايات المتحدة، وذلك لمدة ثلاثة أشهر، بينما يمنع دخول اللاجئين من أي دولة لمدة اربعة أشهر، في حين يمنع دخول اللاجئين السوريين لأجل غير مسمى.
قامت الدنيا ولم تقعد، وخرج المتظاهرون من الشعب الامريكي في الكثير من المدن الامريكية الكبرى احتجاجا على هذا المرسوم الرئاسي حيث اعتبروه مخالفا لمبادئ وقيم الثورة الامريكية، وينتهك الحقوق الاساسية بشكل عاموخصوصا "حرية التنقل والمساواة بين الاشخاص ومنع التمييز الديني". وفي يوم الجمعة، 3 فبراير 2017م، أي بعد حوالي اسبوع من اصدار المرسوم، أمرقاضي سياتل الفيدرالي "جيمس روبارت" بتعليق العمل بالمرسوم الرئاسيبانتظار النظر في شكوى ضد المرسوم قدمها وزير العدل في ولاية واشنطن.
وفي يوم الخميس (التاسع من الشهر الجاري)، ايدت محكمة الاستئناف في "سان فرانسيسكو" تعليق المرسوم المناهض للهجرة. وكتب القضاة الثلاثة في محكمة الاستئناف في قرارهم أن الشكوى العاجلة التي تقدمت بها الحكومة الاتحادية مرفوضة، مشددين على ضرورة حماية المصلحة العامة. وخلص القضاة في قرارهم إلى أن الحكومة لم تبرهن أن استمرار تعليق هذا المرسوم قد يؤدي الى انتهاكات خطيرة لأمن الولايات المتحدة.
لم تكن مظاهرات الاحتجاج العارمة مقتصرة على الناس العاديين من الشعب الأمريكي، بل شارك فيها شخصيات سياسية لها وزنها في المجتمع الأمريكي. اليكم عينات من اقوال بعض هؤلاء الشخصيات السياسية المرموقة تحديا لهذا المرسوم:
في رده الإستباقي على الإجراءات المثيرة للجدل، القى عمدة نيويورك "بيل ديبلاسيو" خطابا - نشره على صفحته على فيسبوك - قدم فيه وعودا مناوئة لما تحدث بها الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب". قال "ديبلاسيو:
(1) إننا سنستخدم كل الأدوات التي تحت تصرفاتنا للوقوف مع أبناء ولايتنا.(2) اذا طُلب تسجيل كل المسلمين، فسنقوم باتخاذ خطوات قانونية لوقف ذلك، وإذا طلبت الحكومة الفدرالية من شرطتنا تشريد عائلات المهاجرين، فإننا سنرفض ذلك. (3) إذا حاولت الحكومة الفدرالية تسفير المواطنين الذين يقطنون نيويورك، الملتزمين بالقانون، والذين ليست لديهم وثائق قانونية، فإننا سنتدخل ونعمل من خلال مجلس المدينة لتوفير المحامين الذين يحتاجهم هؤلاء المواطنونلحمايتهم وحماية عائلاتهم. (4) إذا طلبت وزارة العدل من الشرطة المحلية متابعة سياسة "أوقف وفتش عن السلاح" فإننا لن نلتزم بذلك، ولن نستبدل شرطة الأحياء بالتنميط العنصري. (5) انه إذا تعرض اليهود أو المسلمون أو مجتمع المثليين أو أي مجتمع آخر لهجوم وأصبحوا ضحية، فسوف نلاحق الفاعلين، ونعتقلهم ونحاسبهم. هذه نيويورك، لن تؤثر نتائج الانتخابات الرئاسية على حياتنا، نحن جميعا نيويورك.
أما "جيرولد نادلر" عضو مجلس النواب الأميركي عن ولاية نيويورك، فقد قال في كلمة له خلال المظاهرة الكبيرة: "إن الشعب الأميركي يأسف تجاه حالات التوقيف في المطار، واصفا قرار "ترامب" بأنه ضد القيم الأميركية، وان هذه التصرفات تطعن بأمننا القومي، ويبدو أن رئيسنا "ترامب" لا يدرك ذلك، إن هؤلاء الأشخاص لا يشكلون خطرا على الولايات المتحدة، ومنهم من عمل ضمن قواتنا المسلحة فترة طويلة، ومن العار إخفاء ذلك".
اما "مادلين اولبرايت" وزيرة الخارجية في عهد "بيل كلينتون" فقد قالت في تغريدة لها على "تويتر" في رد جريء على قرار الرئيس الأميركي: "انا تربيتتربية كاثوليكية، وبعدها أصبحت أنتمي للكنيسة الأسقفية، وفي وقت لاحق اكتشفت أن عائلتي ذات جذور يهودية، وها أنا اليوم مستعدة لأن أسجل نفسي كمسلمة تضامنا مع اللاجئين. امريكا يجب ان تبقى مفتوحة امام الناس".
آخر المحتجين على هذا القرار هم عشرة من أعضاء اللجنة الاستشارية للرئيس "ترامب" الخاصة بشؤون الأميركيين الآسيويين وسكان جزر المحيط الهاديالذين قدموا استقالاتهم احتجاجاً على المرسوم، فقد رفع هؤلاء وبينهم رئيس اللجنة ونائبه استقالاتهم يوم الأربعاء إلى "ترامب"، وقالوا فيها: "إن حظر دخول مواطني سبع دول مسلمة يتعارض مع سياسة اللجنة، ورأوا أن معاملة المهاجرين واللاجئين وابناء كثير من الأديان، بوصفهم ليسوا أهلاً للثقة، تهدد سلامة البلاد".
يحكى انه إبان الحرب العالمية الثانية، أن ناظرة مدرسة بريطانية أقامت دعوى أمام القضاء البريطاني تطالب بنقل مطار حربي قريب من المدرسة الي مكان آخر، لأن أزيز الطائرات عند اقلاعها وهبوطها يحدث صوتا يزعج الطلبة وفيه تعطيل للدراسة، فضلا عن أن المطار الحربي يجعل من المنطقة هدفا للعدو لضربه بالقنابل مما قد يسبب خسائر في أرواح الطلبة الصغار ويصيبهم بأذى.
قضت المحكمة البريطانية بنقل المطار الحربي الي جهة أخرى بعيدة عن العمران مما أحرج السلطات البريطانية الحربية وبذلوا جهدا لإيقاف هذا الحكم ولكن دون جدوى. وأخيرا لجئوا الى رئيس مجلس الوزراء "ونستون تشرشل" ليوقف تنفيذ الحكم بدعوى أن نقل المطار سيضعف الدفاع الجوي البريطاني عن أداء رسالته ضد العدو النازي. رفض "تشرشل" هذا الطلب قائلا: " خير لنا أن تخسر بريطانيا الحرب ولا أوقف تنفيذ حكم قضائي،ايمانا منه ان احكام القضاء عنوان الحقيقة وان القضاء العادل هو أساس الملك.
اتساءل: هل سمعتم في تاريخ العرب الحديث (أي منذ رحيل الاستعمار الغربي) ان حاكما عربيا أصدر مرسوما تنفيذيا اعتبره الشعب مرسوما مجحفا في حقه، وخرج الشعب في مظاهرات احتجاجا على هذا المرسوم، وتم تحويل المرسوم الى الجهة القضائية المختصة فحكمت ببطلانه لأنه مخالفا للدستور؟
عندما اتناقش مع بعض الاصدقاء حول المواقف والسياسات الامريكية والأوروبية من قضايا ومشاكل الدول العربية والاسلامية، دائما أشير الى انه يجب التفريق بين المواقف الرسمية للحكومات الغربية وبين مواقف شعوبها، فاغلب شعوب هذه البلدان متعاطفون مع الشعوب العربية والاسلامية في مطالبهم بالحرية والديمقراطية وحقوق الانسان. لكن للأسف الشديد، الاغلبية من الناس في العالمين العربي والاسلامي مؤدلجين ضد كل ما هو غربيبسبب ثقافة الكراهية ضد الاخر المختلف التي شاعت في المنطقة منذ ثمانينيات القرن المنصرم. "شكرا للشعب الامريكي وتحية لسلطاته القضائية".
آخر الكلام: يقال: أن "شارل ديجول" رمز فرنسا الحرة ومؤسس الجمهورية الخامسة حين دخل باريس بعد تحرير بلاده من الغزو الألماني خلال الحرب العالمية الثانية، سأل عن أحوال البلاد ومؤسساتها فأخبروه أنها بأسوأ حال.فسأل "هل القضاء بخير"؟ فقالوا له نعم، فقال قولته المأثورة: "إذا كان القضاء بخير ففرنسا بخير، فهو الدعامة الأساسية للنهوض بالدولة".
التعليقات