بُعيد أول انتخابات أجريت وفقاً للدستور العراقي الجديد في عام 2005، نجح الائتلاف الشيعي في قيادة العملية السياسية خلال فترتي حكم رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي (2006 حتى 2014) الذي انتهج سياسة اعتمدت إقصاء وتهميش العرب السُنّة ومحاولة إلغاء دورهم التشاركيفي قيادة البلد؛ كما تعمّد ملاحقة أبرز القيادات السُنيّة في العملية السياسية والتقرّب من قيادات المجتمع السُنّي غرب وشمال غربي العراق لشراء ذمم البعض منهم، وزرع روح التفرقة لإضعاف بُنية المجتمع السُنّي وتفكيكها.
خلف العبادي المالكي رئيساً للوزراء فسارع العرب السُنّة لإبداء الاستعداد للانضمام إلى حكومته إذا تمَّت تلبية شروط معينة ظلّت كنقاط خلاف مع سلفه نوري المالكي الذي لم يستجب للمطالب التي أعلنوا عنها من ساحات الاعتصام في مدن الأنبار والموصل؛ ومن بينها إنهاء قصف المناطق السُنّية وعودة النازحين والحصول على تعويضات للمتضررين والعفو عن المعتقلين وسحب الميليشيات الشيعية من مدنهم، وفق بيان لتحالف اتحاد القوى العراقية منتصف آب 2014.
تبقى مشكلة المشهد السياسي في العراق انقسامه على نفسه وعدم بروز تكتلات سياسية تواجه استبداد المالكي إبان حكمه، وتركته من الفساد والمحسوبية التي خلفها للعبادي، وأي مسعى لإصلاح المنظومة السياسية في العراق لا بد أن تشمل كل المكونات السياسية بلا استثناء.
بصرف النظر عن الواجهة السنية التي تحالفت مع تيار المالكي وخليفته العبادي في الحكومة العراقية، والتي ساهمت معه في انهيار العمل السياسي في البلاد، تبدو التحالفات السياسية لمرحلة ما بعد داعش هاجساً يشغل بال العراقيين ساستهم وعامتهم.
25 شخصية سياسية من الوجوه العراقية التي يشاركبعضها حتى الآن في العملية السياسية عقدوا في أنقرة قبل أيام مؤتمراً أعلنوا فيه عن تشكيل تكتل سياسي جديد، حمل اسم "تحالف القوى الوطنية العراقية".
وبصرف النظر عن الرعاية التركية الخليجية التي حظي بها المؤتمر والمؤتمرون، وهو محل انتقاد "استسهله" تحالف المالكي لاحقاً، فقد انبثق عن "تحالف القوى الوطنية العراقية"لجنة تنفيذية وهيئة قيادية.
الغرض من تشكيل التحالف، بحسب مصدر من داخل التحالف الوليد، هو "جمع التوجهات السُّنية في رؤية واحدة، وتكتل واحد، وخوض الانتخابات المقبلة"، لافتاً النظر إلى "وجود تنسيق وتحرك لممارسة ضغط إقليمي على الحكومة العراقية".
زعيم "ائتلاف دولة القانون" نوري المالكي يخشى بعد تأسيس هذا التحالف الجديد من التوجّه نحو خلق حالة من التوازن في العملية السياسية في العراق، وتأثيراتها على طموحاته بالعودة إلى الحكم والانفراد به، من خلال الإعداد لتشكيل حكومة أغلبية، الأمر الذي دفعه للتحرّك نحو تشكيل جبهة مناهضة لتلك الجبهة التي أفرزها اجتماع أنقرة.
وأعلن النائب عن "تحالف القوى العراقية" بدر الفحل، "تشكيل جبهة مناهضة لأي اجتماع أو مؤتمر يعقد خارج العراق"، من دون أن يوضح أي تفاصيل عن هذه الجبهة.وقال إنّ "هناك تحفظات على اجتماع أنقرة الأخير"، معترضاً هذا الاجتماع، الذي وصفه بغير الموفق "لا بالزمان ولا المكان، ولا بالشخصيات التي حضرتها"، معتبراً أنّ "تلك الشخصيات لا تمثّل سوى 25 بالمائة من المكون السنّي"، على حد قوله.
على الرغم من أن بعض وسائل الإعلام قد أدرجت اسمه في قائمة المشاركين، فإن بيان "المشروع الوطني العراقي" نفى مشاركته في الاجتماع. ويبدو أن البيان الصادر عنه (المشروع الوطني العراقي) حمل نوعاً من الإدانة الضمنية للاجتماع، فلا يمكن أن يفهم من سياق البيان الذي يرد في نهايته التأكيد على "رفضه مجدداً لكل ما يسيء للعراق والعراقيين، وإدانته لهذه المحاولات الخائبة للنيل من رئيسه وجهوده الوطنية التي يبذلها للتقريب بين العراقيين وإرساء دعائم مشروع وطني عابر للطائفية" إلاّ إدانة واضحة للقائمين على الاجتماع.
الرؤية التي يحملها المشروع الجديد (تحالف القوى الوطنية العراقية) هي ذات طابع طائفي، يركز على المكون السني ومظلوميته لتبرير تكوينه، وإذا كان المكون السني في العراق قد وقع عليه ظلم كبير مثل بقية المكونات إلا أن الحقيقة هي أن كل المكونات العراقية قد ظلمت، فلا معنى لتشكيل كيان سياسي جديد من ذات اللون والمكون المذهبي.
يضاف إلى ذلك أن كثيراً من مثل هذه الاجتماعات جرت في السابق، ولم تخرج بشيء يفيد المكون السني، وخير مثال على ذلك مؤتمر عمان واجتماعات الدوحة وأنقرة وجنيف.ومثل هذه المؤتمرات تزيد من الاستقطاب الطائفي بما يقويالعملية السياسية الحالية المبنية عليها، وبالتالي يعطي الذريعة لزيادة الأطراف الأخرى في مثل هذه الاستقطابات، وما كلام المالكي وائتلاف دولة القانون سوى بداية لزيادة حدة الاستقطاب السياسي في المشهد العراقي.
اللافت في هذه الاجتماعات أنها بدت وكأنها محاولة لتسويق وإعادة إنتاج أطراف محسوبة على المكون السني فشلت سابقاً في أدائها في العملية السياسية، فكيف يمكن أن نتوقع من أعضاء حاليين في الحكومة العراقية أو في البرلمان أن ينهضوا بعملية إصلاح سياسي هم أول من سيتجرع مرارة المحاسبة والمساءلة فيما لو تمت؟!
إن أي جهد لإصلاح المنظومة السياسية في العراق يحتاج إلى منظومة سياسية "وطنية" عابرة للتخندقات الحزبية والطائفية والمذهبية، وتركز على المشترك العراقي لبناء مستقبل أفضل لبلد لم يحظ حتى الآن بفرصة لبناء نظام سياسي ديمقراطي جامع لكل أبناء المجتمع العراقي منذ غزو العراق عام 2003.
هشام منوّر.. كاتب وباحث
التعليقات