الجزء العاشر

(ب)

ولكي ندعم الرأي السابق ـ مما نشرناه ـ نعتمد فيما ذهب اليه الإستاذ الدكتور يحيى عباينة في كتابه المعنون " اللغة الكنعانية، دراسة صوتية صرفية دلالية مقارنة في ضوء اللغات السامية " ص 138 حيث يذكر( ليس لدينا شك في أن للضاد في اللغات السامية وضعاً خاصاً، مرده إلى غرابة هذا الصوت، وقد أشارت الدراسات التاريخية إلى أن الضاد كان في الأصل صوتاً رخواً إحتكاكياً). معتمداً في ذلك على ما أشار إليه أيضاً كارل بروكلمان في كتابه "فقه اللغات السامية" بالعربية ص 39 ترجمة رمضان عبد التواب، في الفصل الثالث عن أقسام الأصوات في اللغات السامية بإشتراكها في العديد من الأصوات ومنها الظاء والضاد وهما: (صوتان رخوان يتكونان كالسابقين، مع رفع مؤخرة اللسان نحو اللثة، ونطق مهموز، أحدهما مهموس وهو (ظ)، والثاني مجهور وهو (ض). إضافة لوصف سيبويه بذات المعنى في "الكتاب" الجزء الرابع ص 432 وما يليها.. تحقيق وشرح عبد السلام هارون. وبمرور الزمن تحول في الأكادية (البابلية الآشورية) ولهجاتها المتأخرة والكنعانية ولهجاتها والعبرية إلى صاد، وفي الآرامية القديمة إلى صاد أولاً، ثم إلى قاف ومن ثم إلى عين في السريانية (مطلقاً) وبصورة مقيدة في النبطية. مشيراً لبعض الأمثلة نقتطف منها ما مشار اليه أدناه مع ملاحظة الرمز < بأنه يعنى به الهمزة والرمز > يعنى به حرف العين:

1. Ṥr< وتعني أرض وجاء فيه tṤr< أي أرض: حرفياً أرضة.

2. <Ṥy وتعني وضوء وأضاء وهو يتعلق بضوء الشمس، ويعنى حرفياً موضاً.

3. n<Ṥ أي ضأن بمعنى غنم.

4. bṭṤ أي ضبظ أو قبض على.

5. rtṤ وتعني الضرّة أو الزوجة التالية.

وفيما يتعلق بالحرف ظ يعتمد ما ذهب اليه بروكلمان وموسكاتي من أن أصل الظاء هو ثاء مفخمة، حيث أنه ظل موجوداً في العربية والأوغاريتية، واللغة الكنعانية حولته منذ فترة مبكرة إلى صوت الصاد المهموس. وفي ص 21 يشير بأن صوت حرف (ظ) انقلب إلى (ط) في الآرامية، معتمداً على بعض الأمثلة من الكنعانية كما يلي:

1. ḥṡr وتعني حظيرة أو فناء والأصل بالظاء.

2. ḥṡ وتعني الخوذة أو رأس السهم ويقابلها في العربية الحظوة، وهي كلمة تطلق على سهم صغير قدر ذراع.

3. nṡr أي نظر أو راقب.

4. ṡm> و ṡmy> و <ṡm> أي بمعنى عظم ، عظمي وعظام.

5. التقارب الصوتي في اللغات القديمة وما طرأ عليها من تغييرات اقتبسنا هذه الأمثلة.

وخلاصة ما يذهب اليه د. يحيى عبابنة في ص 399 حين يؤكد بأن ( اللغة الكنعانية فقدت ستة أصوات من أصولها قبل أن تضع نظامها الكتابي وهي: الضاد التي تحولت إلى صاد. والثاء إلى شين، والذال إلى زاي، والظاء إلى صاد، والغين إلى عين والخاء إلى حاء، وجميع هذه التحولات من النوع المطلق، إذا لم تعد هذه الأصوات الستة موجودة في النظام الصوتي على الإطلاق، فلم يحتفل بها النظام الكتابي).

أما الأصوات التي شكلت النظام الصوتي للكنعانية فقد احتفظت بالأبجدية المألوفة من أبجد إلى قرشت، وعلى ما هو عليه اليوم في الآشورية الحديثة أيضاً بإضافة اللواحق الستة المعروفة اصواتها بالباء المركخة (ܒܼ) والغين والذال والخاء والفاء والثاء، أي ( ܒܓܕܟܦܬ ) بوضع نقطة تحتها دون حرف الفاء الذي يُدعم بقوس أو هلال صغير، وكما يتبين في كتابة الأحرف المشار اليها بالشكل الآتي: ( ܒܼܓܼܕܼܟܼܦ̮ܬܼ ).

وبذات الطريقة المنوه عنها لحرف الضاد، نستحدث صوت الظاء بإضافة نقطة لحرف الطاء أي طيث (ܛ) بالآشورية ليقابل الظاء بهذا الشكل (ܛܿ) وذلك بالكبس على مفتاح p في لوحة المفاتيح لإضافة النقطة حينما يتم إدخال كافة أبجديات الخطوط الآشورية والمستحدثة فنياً في الحاسوب كما في العربية ولغات أخرى. ومما يحفز ذاكرتنا لهذا الحرف نجد العديد من المفردات متقاربة في النطق العربي مع الآشورية ومنها على سبيل المثال: ظلم : طلوم، ظفر: طِݒرا ، ظبي: طويا (طبيا بتركيخ الباء)، ظل: طِلّا، ظلل: طلل، الظهر: طهرا، ومن مجموعة الضاد: ضاع: طعا، ضائع: طَعيا، ظب (حيوان بري): طبّا (بترخيم الباء إلى طوا وغيرها). وبما أن كلاً من الضاد و الظاء لا وجود لهما في النطق الآشوري فأنه يلفظ بالزاي حيث يقال زَرَر بدلاً من ضرر وزلوميا أو طلوميا بدلاً من الظلم علماً بأنه في الآشورية طلوميا. ومتى ما تعمقنا أكثر في مراحل تطور اللغات وتفرع اللهجات حتماً ستنكشف لنا بعض الخفايا لتعددها في كل مجموعة وفصيلة لغوية لهجوية كما في لهجة بعض القرى في شمال العراق مثلاً حين يقال: نظيفه بدلاً من نظيف، وظالوما بدلاً من ظالم، وموحضرلِه بدلاً من أحضر وما شاكل ذلك، حسب ما يؤكده أيضاً الأستاذ اللغوي نلسن د. البازي الإستاذ في جامعة البصرة سابقاً من خلال مقاله في العدد 26 ـ 28 عام 1980 من مجله "قالا سوريايا " ص 152.

نستنتج مما ذكرناه بأن حرفي الضاد والظاء لهما علاقة بحرفي الصاد والطاء، في الشبه الشكلي والصوتي ليتطابق ما في أبجدية اللغة الآشورية التي تماثلها الأبجدية العربية، وربما باقي الساميات الأخرى، طالما استنتجا من اللفظ الأبجدي الأصيل وتقارب النطق في العديد من الكلمات بدليل المنوه عنها، وعلى نحو خاص في الطاء والظاء، ومحدودية عدد مفردات

الظاء المستعمل منها والأشهَر تداولاً محصورة بـإثنتين وثلاثين كلمة أي التي تحوي حرف الظاء، علماً بأن عددها الكلي قد تم حصره في ثلاث وتسعين كلمة غير مستعملة أي أنها مهملة في العربية، بالرغم من أن عدد حروف الظاء في القرآن قد بلغت 9320. وما سواها يتم كتابتها بالضاد، حسب ما ذكره شوقي حماده في كتابه "معجم عجائب اللغة " ص85. وما يحيرني أن أجد الكلمات التي تبدأ بحرف الضاد هي ضعف ما هو بالظاء، وما يتوسطها وفي أواخر المفردات يكون الأضعاف، علماً بأن مقارنة الحروف التي وردت في القرآن قد بلغ عددها 1200 حرفاً أي أقل من الظاء بأضعاف عديدة. هل السر في ذلك بإنفراد العربية بلغة الضاد فقط وإهماله في اللغات الأخرى التي منها الفصيلة السامية؟! على أية حال، أن تساولنا هو من باب المعرفة فقط لا غير.

ولكي ننهي كلامنا، ونعود لما آنفنا اليه من حيث الضاد والظاء، فما الضير إذن من ذلك إن أدخلنا في اللغة الآشورية ما إرتأيناه؟! أليس هذا من باب التطوير والإغناء اللغوي؟!. طالما الحاجة أم الإختراع، ولطالما استعارت العربية المئات من مفردات ذات اللغة المتداول تسميتها أيضاً بالأرامية والسريانية والبالغ عددها ما يقارب الألف مفردة (وربما أكثر، ناهيك عن الإشتقاقات في تصريف المفردات) وفق ما أشار اليه الكاتب شوقي حمادة في مؤلفه "معجم عجائب اللغة" ص 123 والشائع منها في العربية. ونأمل من القارئ الكريم والمتابع العليم الحكيم أن يتواصل معنا في الحلقة القادمة عن منشأ ومصدر أبجدية الحروف اللاتينية التي أساسها الأكادية الآشورية والأوغاريتية والآرامية شكلاً ومضموناً.