في زيارته الاخيرة للولايات المتحدة الاميركية ؛ دعا السيد حيدر العبادي / رئيس الوزراء العراقي الى مزيد من التقارب مع اميركا ويبدو ان هذه الدعوة تعالت الان في لسانه بعد ان شعر الرجل بمزيد من التراجع واليأس والصدمة من رهطه اسلاميي الدعوة بكل مفترقاتها وكذا المجلس الاعلى وأحزاب الفضيلة وغير الفضيلة والكتل والتيارات المنضوية في التحالف الشيعي.

نفس الخيبة والنكوص والصدمة والتراجع الى الوراء بالنسبة للجانب السني لمسها السيد العبادي بتعدد شرائحه وخليطه من الحزب الاسلامي ذي المسحة الاخوانيّة و" متحدون " وغير متحدين لم نر من كل هؤلاء الاّ التشرذم وكل هذه الكتل بأذرعها الشيعية والسنية وحتى الكردية التي لم تقدم اية حلول ولو بسيطة كي تشعر المواطن انه بدأ الخطوة الاولى في الطريق الصحيح.

نعرف ان الطريق نحو الاستقرار وتكوين كيان دولة لها مكانتها في العراق طويل وطويل جدا تتخلله عثرات جسام ومطبات كثيرة وربما تتساقط صخور في منعرجاته وطرقه الملتوية صعودا ونزولا ولابد من الاستعانة بكشافات واضاءات وحادلة طرق لاستوائه فلم يجد السيد العبادي بعد كل هذه السنوات المريرة من العذابات الا الولايات المتحدة نصيرا وعونا بتقنياتها المتطورة وامكانياتها الهائلة.

نعرف تماما ان اميركا تهمها مصالحها اولا وقبل كل شيء وقد يصفها البعض انها شرّ مستطير ولكنه شرّ لابد منه امام اهوال من الشرور العائمة فينا التي لاتعد ولا تحصى والعجز التام والنكوص من قبل سياسيينا عديمي المران والخبرة فما العمل لو استعنّا بما تسمونه الشيطان الاكبر ليقضي نهائيا على الشياطين الصغار الذين تكاثروا كالنمل ونهموا الاخضر واليابس وافسدوا كل مكان بحيث لم يبق شيء نلوذ به استنجادا الاّ باليانكي الذي احتلنا وغزانا، لكن غزوة بني جلدتنا وارباب احزابنا سلخت منا كل شيء وضيّعت حتى آمالنا وأمنياتنا.

نحن جرّبنا ان نعتمد على انفسنا ولم نفلح وحاولنا ان نعمّر فخرّبنا اكثر، واردنا ان نكون ناشرين للنزاهة فزاد الفساد والافساد، وحاولنا عدم اراقة الدماء فنزفت شرايين ابنائنا دما فائضا بكثرة كارثة ولم نحسن تطبيب جراحنا لاننا سلكنا في طرق المحاصصات وولجنا في متاهات الطائفية الضيقة والعِرقية الخانقة ونسينا رحابة الوطن.

قولوا ماتشاؤون فليس لنا الاّ الولايات المتحدة منقذا وملجأ بعد ان جرّبنا الضعف والهوان والخذلان منكم يا ساستنا غير الكرام، واهجس ان دعوة السيد العبادي للاقتراب اكثر فاكثر من اميركا جاءت في الوقت المناسب فقد طفح الكيل وبلغت القلوبُ الحناجر فلسنا نعوّل بعد اليوم على ذوي اللحى الكاذبين ومن رهن ذمّته وباع وطنه وارتخى زمام يده ليعطيه الى ساسة دول الجوار وغير الجوار لقيادتنا وتقرير مصيرنا على هواهم وأمزجتهم.

كفى ترديد نغمة التبعية واعادة الاحتلال الاميركي في رنين موسيقاكم الجنائزية الناشزة، فقد اشبعتمونا ندبا ونحيبا واستكانة فانتم من قتلتم الامل فينا ولتخرس تلك اللاءات الصاخبة وصداها ونبراتها التي اخدشت اسماعنا ولتتركوا ان تلوكوا مفردات الاستكبار والشيطان الاكبر التي تعلمتموها من مشايخ معلميكم حجج الاسلام وآيات الله واشياخ الاسلام ودعاة الفتن وظلال الله التي لم تحمِنا يوما من هجيركم ولم تنوّر عقولنا ابداً لان مصابيحكم منطفئة وخيامكم ممزقة مهما رتقتموها بالكذب والخديعة والوعود الكاذبة.

حنانيكم ايها المعترضون والمنفعلون والموتورون من العم سام، فاننا لانقول ان اليانكي نزيهٌ تماما ؛ فان له مصالحه وقناعاته وقد تخرج من تصرفاته ما لايرضيكم وتعدونه شرّا ولكن اين منه شروركم الهائلة؟

لا اريد هنا ان اذكّر هنا بتجربة ألمانيا واليابان وغيرهما ولنا ايضا بما عمل الخليج العربي من وثاق التعاون والاستعانة بالاميركيين كأصدقاء لا تُبَعاء لهم ممن فهموا الدرس وتعلق بأذيال العم " السّام " ايضا ولكنها لاتقارن ابدا بسمومكم القاتلة المدمرة فهناك من السمّ ما يطبب ويشفي وان كان موجعا اول الامر.

هذه هي فرصتكم الاخيرة لتشدوا حبل الوصال وتزيدوا وثاقه باميركا ولتستفيدوا من امكانياتها وغناها وقوتها على مافيها من جبروت، واعتلوا ظَهرَها على اهتزازه ورجرجته لتوصلكم الى ما تريدون.

تعاونوا مع اميركا كأصدقاء لا عملاء وافرزوا بين التحارب والتقارب.

آن لكم ان تجرّبوا زرقة الإبرة المصنوعة من مشافي العم سام واحتملوها على وجعها ووخزها لتتغلغل في اجسادكم المنهكة بالاسقام.. وحتما سترون الاستشفاء ولو بعد لأيٍّ قد يطول ويبطئ لكنه سيجيء مؤكدا.

من العيب الاّ تحتملوا وجعا ساعةً واحدة، وتبقوا مرضى الى قيام الساعة.

جواد غلوم

[email protected]