أنعطفت معادلات القوة والتأثير والدور في منطقة الشرق الأوسط بعد خمس سنوات من إندلاع الأحداث في سوريا، وفشل امريكا في فرض سيادتها وتنفيذ برامجها التي اعلنت عنها، وتحديدا ً في الأزمة السورية وفشلها في اسقاط نظام بشار الأسد، وفي وجودها القلق والمهدد في العراق بعد انطلاق تنظيمات داعش وتأسيسها للدولة الإسلامية، دون قدرة التواجد الأمريكي على منعها أو السيطرة على تمددها واحتلالها لمدن عراقية كبيرة.

يقابل هذا التردد الأمريكي وغياب قرارات الحسم ، تنامي متسارع للنفوذ الروسي عبر الموقف الإيراني، الذي أدرك صعوبة الأمر بثقل المهمة وكلفتها الباهضة في استمرار بقاء نظام الأسد ومنع سقوطه، فجاء التأييد الإيراني للوجود العسكري الروسي في مسعى لتخفيف الثقل وتأكيد استمرار النظام وايجاد توازن مع التواجد الأمريكي، وهو الأمر الذي يعيد المنطقة الى توازن القوة وإنهاء وجود القطب الواحد المتحكم بلا أي رادع ..!

التواجد الروسي جاء بموجب اتفاق رسمي وبأبعاد سياسية واستثمارية، فانتشرت قواته العسكرية وطائراته واساطيله البحرية، بما يشبه الإحتلال وتدعيم المؤسسة الحربية السورية تدعيما نوعيا وثقيلا ويشغل نحو250 نقاط قتالتمتد من دمشق الى الساحل الأيسر وقاعدة حيميم في اللاذقية ، كما اشتمل الإتفاق بين الحكومتين على بنود كثيرة تؤمن حرية التواجد والحركة للقوات الروسية وافرادها مع كامل الحصانة القانونية ..!

 

حاولت امريكا عبر نشاط سياسي ودبلوماسي مدعوما ببعض التهديدات ان يجد معادل للتواجد الروسي وتأثيره بالأحداث، اضافة الى تقديم معونات خجولة لما يسمى بالجيش الحر والتنظيمات الديمقراطية، بينما تستمر القوات الجوية الروسية بتدمير المدن ودك مقار وأوكار الجماعات المسلحة المعارضة والمعادية لنظام الأسد، وتشكل غطاءً قويا ومؤثرا ً للقوات البرية المدعومة بالمستشارين والضباط الروس وجديد السلاح الروسي، ماجعل قوات نظام الأسد والميليشيات الساندة لها تحقق انتصارات وتعيد السيطرة على المدن والقصبات المهمة، وتمسك بالمبادرة الهجومية بعد أن أمضت نحو اربع سنوات تفقدها وتنكمش على موقف دفاعي ضعيف، جاءت القوة الروسية لتكسبها المزيد من القوة والفاعلية و "الانتصارات" على أرض من ركام وجثث مدفونة تحتها...!

 تردد الرئيس الأمريكي باراك أوباما في إرتياد موقف القوة والحسم في الملفين السوري والعراقي، جعل الموقف الأمريكي يظهر بهزال غير مسبوق، خصوصا بعد ان استطاع الروس من اقامة تفاهم مشترك مع اسرائيل وزيارات متبادلة ومناورات عسكرية مشتركة، وفتح الباب اما شركة "غاز بروم " العملاقة للإستثمار في حقول اسخراج الغاز في المياه البحرية الإسرائيلية والحماية البحرية المشتركة لهذه الحقول من تهديدات حزب الله وايران وسوريا...!

 لاشك ان المصالح المشتركة والإتفاقات الإستراتيجية بين اسرائيل وامريكا سوف تبقى ولن تتأثر كثيرا ً، لكن الذكاء السياسي يترجم المقولة الشهيرة للسياسي البريطاني وينستون تشرشل " لاتوجد صداقات دائمة أو عداوات دائمة، إنما مصالح دائمة "، اسرائيل الآن تستطيع الإعتماد على روسيا أكثر من أي وقت سابق، لأنها قادرة على إبقاء نظام الأسد وعدم بروز نظام ارهابي اسلامي متشدد، إضافة الى المشاركة بحماية مصالحها ومساعدتها على دخول عالم الدول المنتجة للغاز الذي تتصدره روسيا .

استنتاج أخير يقودني الى الكشف والإشارة ليس للضعف الأمريكي في شرق المتوسط ما جعل روسيا تبدو أكثر قوة وتجد في اسرائيل حليف استراتيجي، ليس هذا وحسب وإنما تطور آفاق السياسة الخارجية الروسية الى دور الإحتواء المزدوج للأضداد في المنطقة، بأتجاه يحقق مصلحة كل طرف وفق مايرغب يقابله تحقيق مصالح روسيا الإستراتيجية ويعظم دورها ومنافعها من الطرفين، دون خسائر..! 

وربما تكون هذه المعطيات من الأسباب الإستراتيجية التي جعلت أمريكا تبحث عن المعادل في انتخاب دونالد ترامب الجمهوري وتمكين الجمهوريين من محاولات إعادة الدور الأمريكي الأقوى، نقول ربما ..!