التقيت الرئيس العبادي في فندق كيمبنسكي البحر الميت وقد انتهى توا من مقابلتين ليليتين مع العاهلين السعودي والاردني على هامش قمة عمان في الأردن، وجدته مرتاحا بما يكفي وهو العائد اصلا من واشنطن حيث التقى الرئيس الامريكي دونالد ترامب . لم يستغرق الوقت الكثير حتى أفسر وجود "حيدرين اثنين" عرفتهما منذ اربعة عشر عاما.
قبول العبادي دعوة عقد حوار صحفي امر طيب لكن الأكثر حماسة هو اجراء اللقاء على شرفة البحر العامة في الهواء الطلق بعيدا عن غرفته المغلقة حيث اختار ان يفضفض بلا تحفظ عن الولاية الثانية والعلاقات مع السعودية ولقاءاته مع وزير الخارجية عادل الجبير وصولا الى لقاء الملك سلمان بن عبد العزيز .
لم يمض اللقاء اكثر من نصف ساعة حتى بدأ مستشاروه ومرافقوه يعطون إشارات لانهائه فالرجل ينتظر مجددا اتصالا هاتفيا من الرئيس ترامب والذي كان قد التقى ولي ولي العهد السعودي قبيل زيارة العبادي الاخيرة بيومين ويبدو وبحسب مقربيه ان ترامب يريد ان يتابع بنفسه ما دار في اجتماعات ثنائية اجراها العبادي في قمة البحر الميت.
انتهى اللقاء وصعد العبادي سريعا للمهاتفة ثم عاد بعد دقائق الى ذات الشرفة كان جدوله الاعلامي مزدحماً مثلما كانت صالة الفندق خافتة الاضواء مزدحمة أيضا، كانت تحتضن وزير خارجية الاردن ووزير الخارجية الفلسطيني و امين عام الامم المتحدة ومبعوث الازمة السورية وآخرين يبدو على وجوه بعضهم الارق والنعاس.
خلال التوقف لبرهة مع وزير التخطيط العراقي سلمان الجميلي (التحالف السني) وعضو لجنة العلاقات الخارجية عن التحالف الكردي عبد الباري زيباري واللذان كانا رفقة العبادي في كيمبنسكي كان يمكن تلمس ما جرى مع الوفد العراقي؛ الاثنان وقد طبع الارتياح حديثهما ابلغاني عن اجواء طيبة دارت خلال لقائي العاهلين المسائي مع العبادي ابرزها اعادة فتح طريق طريبيل باتجاه الاردن خلال فترة ما بين 60 ــ 120 يوما و الموقف من اعادة تنظيم اطراف سياسية في المحافظات التي يحتلها داعش والذي جرى مؤخرا في انقرة ودعم الاردن لوحدة العراق بهذا الخصوص.
زيباري روى لي كيف انه كان مذهولا من قرارات سريعة فورية امر بها الملك سلمان موجها وزراءه بتنفيذها فورا بحضور الوفد العراقي لكنه ابتسم عندما سالته عن وزير الخارجية العراقية ابراهيم الجعفري وواصل حديثه باللغة الكوردية مع صحفي كردي عن تفاعل صفحات التواصل الاجتماعي مع حادثة سلمان الجميلي ليومين.
الجميلي كنت التقيته عدة مرات خلال 48 ساعة حيث شارك في اجتماع وزراء التجارة العرب ثم عاد مجددا مع العبادي وكان قد تعرض الى حادثة غريبة مع قناة كردية اتهمها بانها اجتزأت كلامه عند سؤال مراسلها عن حادثة القصف المدمر في الموصل – وكنت شاهدا انه لم ينو ترك المراسل بل كنت نفسي بانتظاره لاودعه من المركز الاعلامي الى قاعة الوزراء العرب حيث كان ينتظرهم اجتماع رسمي.
بات الجميلي حديث السوشيال الميديا واجزم انه لم يضع راسه على وسادة الفندق المريحة ؛ كيف له ذلك اذ ان مجرد ظهور نصف وجهي وانا ماشيا معه اعاد اليّ مرض الشقيقة فكيف الحال بالجميلي الذي ظهر وكأنه غير مكترث لاستشهاد 200 مدني في الموصل.
معادلة الرضى المعصورة بالالم التي اتى بها العبادي في عراق "دولة داعش ورئاسة اوباما " لم تعد مقبولة في المرحلة اللاحقة وجاء اللقاء مع الرئيس الامريكي دونالد ترامب لحظة صعبة ومفصلية في حياة العبادي السياسية.
ليس سرا ان يخبرني احد كبار مستشاريه وهو يمسك بيدي قبل بداية اللقاء معه ان العديد من نظرائه في التحالف الشيعي يعتزمون دفعه لمواجهة مفتوحة مع الحشد الشعبي خصوصا تلك الفصائل التي تعرف بغير المنضبطة او التي لا تخضع لسيطرته باعتباره قائدا عاما للقوات المسلحة على الرغم من ان تلك الاطراف نفسها هي على عداء مع الفصائل ذاتها.
ليس سهلا أيضا وبينما تدير جمهورية بيروقراطية قديمة و فاسدة و مدمرة ان تجد اذانا غير صاغية في دول الجوار او تعتقد ان عدم اتخاذ قرار هو ليس بحد ذاته قرارا.
بين السطور كانت اسئلة فريقه ووزرائه بطعم الجواب وهي ان العبادي يبحث عن شريك جديد في معادلة سياسية جديدة في البلاد منهم شريك سني معتدل ويفتش عن طريق يخوض فيها غمار الولاية الثانية التي قال في اللقاء انه لايفكر بها حاليا وسيخوضها من خلال تشكيل قائمة انتخابية جديدة من دون حليفه السابق نوري المالكي لكن الخشية الاكبر هو ان يتحول العبادي الى اياد علاوي جديد لايحظى لا بثقة ايران و لا يستثمر الدعم الدولي والاقليمي مما يعقد المشهد و يفسح المجال اكثر لرئيس جديد من الخط الخلفي الثالث للتحالف الشيعي بعد فقدانه قدرة تقديم اي من ساسته في الخطين الاول والثاني الى تولي السلطة.
ترامب بعد لقاء العبادي و حتى مكالمته الهاتفية التي جاءت بعد لقائه العاهلين السعودي والاردني في البحر الميت لم يكن ينتظر خبرا على الجمر عن اعلان تحرير الساحل الايمن و لم يكن مهتما او متحمسا للسماع من العبادي عن وضع القوات العراقية في الموصل ، انه ينتظر من العبادي ان يطلعه على سياساته في مرحلة ما بعد داعش وعلاقته مع المجموعة السياسية الاقليمية الجديدة في المنطقة و الزعماء الذين التقاهم وبينهم السيسي و الملك عبدالله.
اراد ترامب ان يتحقق من نظراته التي وضعها قبل اسبوع على عيني العبادي وهو يوجه له سؤالا عن مستقبل علاقته مع التشكيلات المتكونة من المحافظات التي كان يحتلها داعش وهي في مخاض ولادة قيادة جديدة تمزج بين من هرم في العملية السياسية واخرون من دم جديد.
ترامب يريد ان يسمع لكنة عراقية جديدة لايتحدث فيها العبادي عن تهديدات مع السعودية او تاريخ الصداقة مع ايران ولن يكون سعيدا كثيرا اذا ما سمع من العبادي عن توتر او فقدان ثقة بين اطراف المجموعة الاقليمية الجديدة، الرجل ينتظر شخصا إيجابيا. هكذا هم ارباب الاعمال واصحاب الشركات يكرهون ان يصافحوا السلبيين والمتذمرين والذين يستغرقون في الماضي ويتركون المستقبل .
ترامب ليس معنيا بالبروتوكول كثيرا فهو اقام مأدبة عشاء فاخرة لولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تحدثا فيها عن النفط والعراق و الاستقرار في المنطقة و ايران ولازالت ترن في اذنيه كلمات الأمير الشاب وغير مستعد ان يستمع لمنطق آخر لا يتطابق مع هذه الرؤية وهنا فهو ينتظر مناقشة جدولة الوصول الى نقطة الصفر من العبادي انطلاقا من قمة عمان حتى انتهاء ستة اشهر لتكون منتصف الطريق قبل الانتخابات البرلمانية المزمعة في 2018 .
د. علي وجيه محجوب
التعليقات